الانتخابات تفقد وهجها قبل حدوثها
ناصر قنديل
– لم تكن مجرد مصادفة زمنية انطلاقة التحركات في الشارعين اللبناني والعراقي تحت شعار الاحتجاجات الاقتصادية في تشرين عام 2019، على رغم المداخل المختلفة التي فجرت الحراك في كل من الشارعين، وشيئاً فشيئاً بدأ التماهي في الجهات التي تقود الحراكين يظهر، وتتوضح صورة الدور الذي تقوم به وسائل إعلام وجمعيات مجتمع مدني مموّلة، كما اتضح أكثر شعار الانتخابات النيابية المبكرة في البلدين كسقف سياسي تم رسمه لقطاف نتائج الحراكين، ولا بقي خافياً الدور الذي أراده الأميركيون لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس لإطلاق موازين قوى معنوية ونفسية تفتح طريق الانقلاب في المزاج الشعبي من خيار إلى خيار، ولا كان خافياً حجم الاستثمار السياسي والإعلامي والقضائي على انفجار مرفأ بيروت لتأدية دور مماثل.
– الرعاية الأميركية لمجلس نيابي عراقي يتراجع عن توصية ترحيل القوات الأميركية كانت معلنة، ومثلها الرعاية الأميركية لمجلس نيابي لبناني ينهي الغالبية المساندة للمقاومة، والرهان على الانتخابات النيابية عبر تعظيم حجم جمعيات المجتمع المدني التي اتخذت من الشارع منبراً لدعواتها لتغيير حاول أصحابه جعله موجهاً ضد خيار المقاومة والتشكيلات التي تمثلها، ولم يكن ممكناً الفصل بين مصير هذا السعي والديناميكية التي تحكم الصراع بين المشروع الأميركي ومحور المقاومة، ووفقاً لمسار الصراع الأصلي سيتقرر مصير المسار المفتوح لتزخيم التحضير لانتخابات قيل إنها حاسمة وفاصلة وسترسم مستقبل البلدين، وسفكت في سبيل بلوغها دماء حكومة الرئيس سعد الحريري في لبنان والرئيس عادل عبد المهدي في العراق، بصفتيهما حكومتي مساكنة بين جماعة أميركا ومحور المقاومة، على رغم اختلاف الكثير من العناصر في صورة الحكومتين ورئيسيهما، ونسبة القوى بين المحورين فيهما.
– حدث ما لم يكن في الحسبان وتدحرجت التطورات منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ومبادرة حزب الله لجلب سفن كسر الحصار إلى لبنان متحدياً الهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات، معلناً أن السفن هي قطعة أرض لبنانية، وبدا مع الإعلان الأميركي عن التراجع عن العقوبات التي تستهدف استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سورية، أن أميركا لم تعد تملك قدرة مواصلة المواجهة في المنطقة، وأن موازين القوى تسجل اختلالاً حاسماً لصالح معسكر المقاومة وتحالفاتها، وجاءت ولادة الحكومة اللبنانية تعكس تراجعاً أميركياً عن المعركة المفتوحة التي بدأت بتعطيل ولادة أي حكومة وتحميل المقاومة مسؤولية الفراغ والسقوط، وظهرت تصدعات الجبهة التي يفترض أنها تحظى بالرعاية الأميركية لتشكيل جبهة مواجهة مع المقاومة وحصان الرهان في الانتخابات المقبلة، ليطرح سؤالاً عن جدية الحديث عن قدرة هذه الجبهة على تشكيل خط مواجهة حقيقي في الانتخابات.
– تأتي الانتخابات العراقية لتقدم نموذجاً حياً لقراءة استباقية للمشهد اللبناني، فالواضح أن غالبية جمعيات المجتمع المدني التي كانت وراء المطالبة بالانتخابات، قررت المقاطعة، وغابت عن المشهد الانتخابي، والحديث عن طوفان شعبي سيغرق الانتخابات بحجم مشاركة استثنائي تحول إلى جفاف، بحيث انخفضت نسبة المشاركة عن آخر انتخابات بنسبة ملحوظة، وعلى رغم الشهادات المتقاطعة لنزاهة العملية الانتخابية إجماع موازٍ على أن النتائج ستأتي في جوهرها امتداداً للمشهد الانتخابي السابق، وأن التغيير في الوجوه في بعض المواقع أو مرور بعض الأسماء المستقلة لن يشكل تعبيراً عن تغيير في حجم تأثير الكتل التقليدية التي شكلت المشهد النيابي في المجالس المتعاقبة.
– المناخ المحيط بالانتخابات في لبنان وفي العراق وسواهما، هو أن زمام المبادرة السياسي انتقل إلى يد محور المقاومة، وأن الأميركي في حال تراجع وانكفاء وسعي للتأقلم مع صعود محور المقاومة، ما يجعل الانتخابات حدثاً روتينياً يفقد الوهج الذي رسم له والتوقعات التي بنيت عليه.