إخفاقات انطلاقة الخطة (ب) الأميركية «الإسرائيلية» ضدّ إيران
د. حكم أمهز*
لا يمكن عزل المواقف «الإسرائيلية» الأميركية عن بعضها في ما يتعلق بإيران، فعلى الطريقة الخوارزمية، فإنّ السياق المتسلسل لهذه المواقف يشي بأنّ الطرفين يتربصان شراً ما، بعد الفشل النسبي الكبير، لكلّ إجراءات الحظر التي فرضت على إيران «الدولة المتمرّدة» على الإملاءات الأميركية و«الإسرائيلية».
جديد المواقف أن مسؤولين وصفوا بالكبار، في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قالوا، أن واشنطن، لا تزال ملتزمة بالدبلوماسية مع إيران، لكنها ستكون مستعدة إذا لزم الأمر، لأن تسلك «سبلاً أخرى» لضمان عدم حيازة طهران أسلحة نووية. مضيفين أن زيارة مستشار الأمن القومي «الإسرائيلي» (إيال حولاتا) إلى واشنطن، تتيح للبلدين الحليفين تبادل معلومات الاستخبارات، والتوصل إلى «تقييم أساسي» لمدى تطور برنامج طهران النووي.
السؤال: هل أن «السبل الأخرى» التي يهدّد بها الأميركيون، أو «الخيارات الأخرى» التي يتوعّد بها «الإسرائيليون»، ستكون وليدة اللحظة، وبقرار وفعل ارتجاليين، من دون أن يكون قد تمّ الترتيب والإعداد لها مسبقاً؟
حتماً لا، لأنّ أيّ خيار أو سبيل، يحتاج إلى تفحص وتمحص ودراسة وتحضير وإعداد وتهيئة العناصر اللازمة لتنفيذه على أي مستوى كان.
المقصود أن الأميركي و«الإسرائيلي» وحلفاءهما في المنطقة، قد بدأوا بتنفيذ «الخطة باء» منذ فترة، ضدّ «التمرد الإيراني على السيد الأميركي». وقد بدأت تبرز ملامح الخطة على الأرض تباعاً، على المستويين السياسي والعملاني، ما يشير إلى أن التصريحات الأميركية «الإسرائيلية»، تأتي بعد البدء بالخطة، وليس قبلها. وما يُحكى عن الخيار السياسي الدبلوماسي، ما هو إلا كذبة هدفها تضليل الرأي العام والحرب النفسية، لأنّ هذه التصريحات تترافق مع إجراءات عدائية عملية على الأرض.
قبل فترة، بدأت تتحرك الاستخبارات «الإسرائيلية» في منطقة كردستان العراقية، وبدأت تحرك معها، الجماعات الإرهابية الإيرانية، خصوصاً جماعات (بيجاك) الكردية الإيرانية المعارضة لنظام الجمهورية الإسلامية، وذلك عبر تكثيف العمليات الأمنية في الداخل الإيراني ومحاولات التجنيد والرصد وغيرها، مع تعزيز القواعد «الإسرائيلية» هناك، بتكنولوجيات رصد أمنية متطورة، مما استلزم من طهران رداً عسكرياً قوياً متكرّراً، على مواقع هذه الجماعات، وتوجيه تحذير شديد اللهجة لهذه القواعد، إثر عدم استجابة حكومتي إقليم كردستان وبغداد، لمطالب طهران، بطرد وردع هذه الجماعات.
الأنشطة الأمنية للجماعات الإرهابية في كردستان، تعني أن الأميركيين و«الإسرائيليين» يحاولون زرع شوكة في خاصرة إيران الغربية، في إطار الخطة (باء) الهادفة إلى محاصرة الجمهورية الإسلامية، ميدانياً وعسكرية وجغرافياً بشكل مباشر بهدف خنقها اقتصادياً أكثر.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن طهران وجهت تحذيراً مباشراً للقواعد «الإسرائيلية» الأميركية على جبهة كردستان العراق، وتوعدتها بالضرب بقوة أن استمرت في تحريك واستغلال هذه الجماعات الكردية الإرهابية الإيرانية ضدّ إيران.
أيضاً الأنشطة الاستخبارية «الإسرائيلية» فُعِّلت، داخل أذربيجان على الحدود الإيرانية الشمالية، بدعم من النظام الأذري، إلا أن الردّ، جاء سريعاً من طهران عبر مناورات (فاتحو خبير) في إشارة واضحة إلى أن الهدف من هذه المناورات ليست أذربيجان بل «الإسرائيليين»، باعتبارهم أحفاد خيبر.
وبطبيعة الحال هي رسالة إلى النظام الأذري الذي يُمتّع نفسه بعلاقات استراتيجية مع الكيان الصهيوني المحتل، بحيث أن أكثر من نصف أسلحته من صناعة «إسرائيلية» وهو يتحضر الآن لشراء منظومات حتس ثلاثة للدفاع الجوي.
قضية فرض رسوم باهظة على كلّ شاحنة تصدير إيرانية تمرّ عبر حزام يمتدّ لحوالي خمسة كيلومترات داخل ما تدّعي أذربيجان أنه لها، بهدف الوصول إلى أرمينيا ودول آسيا والقوقاز وأوروبا وروسيا، هدفها خنق الاقتصاد الإيراني في إطار ما أسميناه الخطة باء الأميركية «الإسرائيلية».
على كلّ وبين قوسين، فإنّ احتمال اشتعال حرب على تلك الجبهة بعيد جداً، لكن إن حصل، فإنّ الخاسر الأكبر فيه سيكون نظام إلهام علييف، لأسباب كثيرة أبرزها، أن غالبية الشعب الأذري ضدّ العلاقات مع الاحتلال، وتعتنق المذهب الشيعي نفسه الذي تعتنقه الغالبية العظمى من الإيرانيين، وهناك شريحة هامة من الأذريين تقلد دينياً آية الله السيد علي خامنئي. هذا فضلاً عن الحديث عن التفاوت في القدرات العسكرية وموازين القوى بين البلدين.
وقد حاول علييف، استدعاء العنصر التركي الداعم لنظامه، بما يعني أن جبهة الحدود التركية- الإيرانية (الجبهة الشمالية الغربية لإيران)، أيضاً منغمسة نسبياً، في مواقف ولو سياسية، بهذه الأزمة.
الأنشطة الاستخبارية «الإسرائيلية»، لم تكتف بنفسها، بل وضمن الخطة (ب)، فإنه لا بدّ من استخدام «عدة الحرب الأميركية الإسرائيلية المتنقلة» وهي الجماعات التكفيرية، فتم تحريكها داخل أفغانستان وبدأت بعمليات تفجير في أماكن مختلفة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار وإحداث شروخ وفتن بين أبناء الشعب الأفغاني (آخرها كان استهداف انتحاري مسجداً شيعياً في قندور شمال البلاد راح ضحيته مئات المصلين يوم الجمعة بين شهيد وجريح). لأنّ أميركا المنسحبة مهزومة من هذا البلد الجريح، لن تقبل بمثل هذه الهزيمة القاسية والتاريخية، من دون أن تسعى للانتقام واستغلال هذا البلد كأداة في إطار مواجهتها للدول المعادية أو المنافسة لها.
ويرى الأميركي أن زرع «عدة حربه» في قلب الشعب الأفغاني وأرضه، سيشعل فتيل حرب أهلية مدمّرة وسيزعزع الأمن والاستقرار على حدود الدول المجاورة وهي إيران والصين والدول المحسوبة على روسيا، خدمة للخطة الأميركية في المواجهة مع هذه الدول المعادية لنظام واشنطن، والتي تهدّد وجودياً نفوذه العالمي.
فزعزعة الأمن والاستقرار على حدود هذه البلدان ستربكها حتماً، وستعيقها وتضعفها نسبياً، عن معركة المواجهة مع الإدارة الأميركية، خصوصاً أن هناك آلاف الكيلومترات الحدودية مع أفغانستان.
كذلك فإنّ تحريك التكفيريين يتمّ على الحدود الباكستانية مع إيران من الجهة الشرقية، من دون أن ننسى العلاقات التركمانية «الإسرائيلية» من الجهة الشمالية الشرقية لإيران.
أما من الناحية الجنوبية حيث الخليج الفارسي فإنّ أنظمة التطبيع العربية مع الكيان الصهيوني تفعل أنشطتها الأمنية وغير الأمنية ضدّ إيران.
إذن، إن هدف الخطة «ب» هي محاولة تشديد الحصار على إيران ميدانياً من على حدودها الجغرافية. لكن هل ستنجح؟
عملياً وبعجالة، من غير الممكن أن تنجح خطة كهذه لأسباب كثيرة:
– إيران بدأت بفتح ممرّ عبر أرمينيا لتمرير صادراتها البرية إلى آسيا والقوقاز وروسيا وأوروبا.
– إدراك نظام أذربيجان ومن وراءه أن أيّ حرب لن تكون في مصلحته، لأسباب كثيرة.
– المعادلات الدولية الجديدة وبينها التنسيق الإيراني الصيني- الروسي، لن يسمح بإضعاف إيران، لأنّ في ضعفها ضعفه، وهو ما يؤثر في المواجهة المركزية لهذه الدول مع أميركا.
– انضمام إيران إلى عضوية منظمة شنغهاي وقبلها توقيع الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين، فتحت وتفتح الأبواب الاقتصادية لطهران، وتدمر الكثير من قيود الحظر الأميركي.
– كردستان العراق ليس بحجم أن تناصب إيران العداء من خلال الاستمرار بتسهيل عمل الجماعات الإرهابية، لأنّ طهران وحلفاءها في الداخل العراقي، كفيلان بترتيب أمور هذه الجماعات ومن يقف وراءها.
– البحر أصبح مسرحاً شبه حر للحركة الاقتصادية الإيرانية بعد المعادلات التي تمّ تكريسها أخيراً سواء على مستوى حرب السفن أو المعادلات التي كرّستها المقاومة في ما يتعلق بالناقلات النفطية إلى لبنان وسورية.
إنّ إيران قوية بذاتها، وبمحور المقاومة، الذي صنع معجزات خلال السنوات العشر الأخيرة سواء في سورية أو العراق أو اليمن أو لبنان أو فلسطين وغيرها… بالتالي بات يُحسب لها مليون حساب… لأنّ في النهاية نقطة ضعف المحور المعادي، هي أمن الكيان «الإسرائيلي» وهذا الأمن بات نقطة ضعيفة في دائرة استهداف المحور، يستهدفها في الوقت المناسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ