سقوط مبرّر المجلس العدلي في انفجار المرفأ
ناصر قنديل
– تحت عنوان المجلس العدلي محكمة أم وسام مجاملة للضحايا، نشرت المفكرة القانونية التي يتصدر كتابها ورموزها حملة الدفاع عن المحقق العدلي طارق بيطار، دراسة قانونية تستغرب الكيفية التي تحيل عبرها الحكومات المتعاقبة القضايا الكبرى إلى المجلس العدلي كأن الإحالة إليه هو تعبير عن تخصيص القضية بمحكمة مخصصة للقضايا التي تتميز بأهميتها، بالتالي تجري الإحالة كنوع من الترضية المعنوية لأهالي الضحايا بالقول إن الحكومة تولي قضيتهم أهمية خاصة، بينما المجلس العدلي هو محكمة اختصاص، يجب للإحالة أن تنطلق من مطابقة القضية مع معايير الإحالة إليه، وتضمنت الدراسة إشارات إلى كون المجلس العدلي محكمة استثنائية تضعف أمامها شروط المراجعات، والآليات القانونية التي تتيح إقامة العدالةـ لتصل في الختام إلى ضم صوتها للداعين إلى إلغاء المجلس العدلي بصفته محكمة استثنائية، وحصر الإحالة بالمحاكم ذات الاختصاص.
– في موقع الجيش اللبناني دراسة قانونية لتعريف الجرائم التي ينظر فيها المجلس العدلي، عرض لثلاثة أنواع من الجرائم التي ينحصر دور المجلس العدلي بالنظر في القضايا المتصلة بها، وهي، سنداً للمادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تتوزع بين الجرائم المنصوص عليها في المواد من 270 حتى 336 من قانون العقوبات، وهي الجرائم الواقعة على أمن الدولة: الخيانة – التجسّس – الصلات غير المشروعة بالعدو – الجرائم الماسّة بالقانون الدولي، أو الجرائم المنصوص عليها في قانون 11/ 1/ 1958؛ وهي جرائم: الاعتداء أو محاولة الاعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضد البعض الآخر، أو جميع الجرائم الناتجة من صفقات الأسلحة والأعتدة التي عقدتها أو تعقدها وزارة الدفاع الوطني والجرائم المرتبطة بها أو المتفرعة عنها، وكل جريمة لا تقع عليها واحدة من هذه العناوين تقع خارج اختصاص المجلس العدلي.
– انفجار مرفأ بيروت كأي حدث كبير أصاب اللبنانيين بالذهول، عاملته الحكومة بما يليق بنظرها بتكريم الشهداء والضحايا بالإحالة إلى المحكمة التي توحي أنها أعلى المحاكم وهي ليست كذلك أي المجلس العدلي، وفي متن الإحالة وصف الانفجار بالاعتداء على أمن الدولة، وهناك إشكالية قانونية ستقوم لاحقاً في أي نقاش لأحكام تصدر عن المجلس العدلي، باعتبار عدم اختصاص المجلس العدلي بالنظر في قضية انفجار المرفأ، الذي يقع ضمن اختصاص المحكمة العسكرية كونه انفجاراً لمواد عسكرية تقع تحت سلطة الجيش اللبناني وفقاً للقانون، وهي نترات الأمونيوم، التي يحصر امتلاكها به ويحظر استيرادها من دون إذن منه، وبعدما مضى على التحقيق العدلي قرابة السنة يتضح شيئاً فشيئاً أن القضية القانونية التي تبرر إحالة الانفجار إلى المجلس العدلي ساقطة كلياً.
– التحقيق العدلي بدأ يتحول إلى جريمة تهدد السلم الأهلي ربما يتسحق مرتكبوها الإحالة إلى المجلس العدلي، حيث يجري باسم التحقيق تحريض اللبنانيين بعضهم على بعض وعلى أساس طائفي، بصورة تهدد فعلاً وحدتهم الوطنية وسلمهم الأهلي، فيقف المسيحيون في ضفة والمسلمون في ضفة، مرجعيات دينية ونواب ووزراء وأحزاب وحقوقيون وشارع، والمضي بالتحقيق العدلي سيزيد هذا الانقسام حدة، وربما يضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض، ويشق وحدة أهالي الضحايا على أساس طائفي.
– يجب أن تتعلم الحكومة كيفية نقل أي قضية محالة أمام المجلس العدلي إلى محكمة الاختصاص، بمثل ما اعتادت التسرع والاستسهال في اتخاذ قرار الإحالة أمام المجلس العدلي.