أولى

هل من مؤتمر دولي؟

 سعادة مصطفى أرشيد*

لا تزال مفاعيل زيارة المسؤول الأميركي هادي عمرو إلى رام الله تتفاعل، ولكن من دون ضجيج حتى الآن، فقد ظهر أن الضيف العزيز لم يكتف بلقائه مع الرئيس أبو مازن وفريق السلطة وأركانها كما ورد في الأنباء، وإنما كانت له لقاءات واسعة الطيف التقى خلالها بشخصيات وفاعليات وقوى وأحزاب سياسية منها الحزب الحاكم، وكذلك ناشطي المجتمع المدني ـ جماعات المنظمات غير الحكومية المموّلة من واشنطن أو المجموعة الأوروبية ـ ورجال أعمال ونقابيين، استعرض هادي عمرو مع هؤلاء الوضع الفلسطيني وبخاصة الداخلي، مبدياً رأيه ورأي الإدارة الأميركية التي يمثلها ووزارة الخارجية التي يعمل موظفاً لديها، فقال واستمع .

بالغ الإعلام «الإسرائيلي» والفلسطيني على حدّ سواء في تناول هذه الزيارة، الإعلام «الإسرائيلي» تهويلاً، والإعلام الفلسطيني تبسيطاً، بحسب الصحافة (الإسرائيلية) أن الرسائل التي نقلها هادي عمرو كانت قاسية ومباشرة، إلى حدّ وصل إلى التهديد، كما قال إيهود إيعاري على إحدى الفضائيات (الإسرائيلية): الإدارة في واشنطن فقدت صبرها من رئيس السلطة، وتطالبه بوضوح بإجراء تعديلات في شكل السلطة ومضمونها (وظيفتها)، وأنّ عليه وعلى من حوله في الحكومة و«فتح» الكف عن إطلاق تصريحات عنترية، مع أن هادي عمرو والإدارة الأميركية يعرفون مداها ولا يأخذونها مأخذ الجد، ويحذر هادي عمرو أبو مازن من الاستجابة للمصريين في إجراء مصالحة مع «حماس» أو تشكيل حكومة مشتركه معهم، وأن عليه تغيير الحكومة الحالية، وكما أكد أن الرئيس بايدن لا يريد رؤية أبو مازن .

الإعلام الفلسطيني الرسمي (وكاله الأنباء الفلسطينية ـ وفا) بدوره، ذكر في خبره المنشور، ما قال الرئيس لزائره الأميركي فقط، ولم يذكر ما قال هذا الأخير، وركز إعلام السلطة لاحقاً على اقتراح الرئيس أبو مازن حول عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة والرباعية الدولية، باعتباره المخرج من حالة الانسداد الحالي .

لا أدري هل تساءلت الدبلوماسية الفلسطينية عن إمكانية عقد مؤتمر كهذا أصلاً، في وقت لا يجد الرئيس بايدن ما يبحثه مع الرئيس الفلسطيني، وفي حين تتعثر وكاله غوث وتشغيل اللاجئين في عملها وتمويلها. وفي مقال لصحافي فلسطيني مطلع نشر في جريدة «القدس» ذكر فيه أنّ هادي عمرو عندما سئل عن موعد إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وموعد إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن الذي أغلقته إدارة الرئيس السابق ترامب، أحال هادي عمرو الجواب إلى رئيس الوزراء (الإسرائيلي) نفتالي بينيت وكأنه يقول إنّ القرار لدى هذا الأخير، وفي وقت تتوقف المجموعة الأوروبية عن رفد ميزانية السلطة بمساعداتها المالية المعروفة، متذرّعة حيناً بقضايا الحريات وقصة الراحل نزار بنات، وحيناً آخر بملفات الفساد التي يتتالى نشرها والصادرة أخيراً عن جهات رسمية، وحيناً تلبث بسبب كورونا وبعض القضايا الإدارية الخاصة بأوروبا، وفوق ذلك تقول مصادر فلسطينية لمراسل «هآرتس» جاك خوري، إنّ هادي عمرو يريد حكومة تكنوقراط تحظى بدعم «حماس»، ربما أرادت هذه المصادر أن تقول إننا و«حماس» سواء في العلاقة مع الأميركان .

أيّ مؤتمر دولي يمكن أن يُعقد؟ ثم ما هي عناصر القوة التي نستطيع أن نمارسها في هذا المؤتمر ـ إنْ عُقد؟ وبعد كلّ هذا لم نرَ أو نسمع عن أيّ اتصال أجرته جهة من الجهات التي من المفروض أن ترعى المؤتمر الدولي بالقيادة الفلسطينية، فيما لم تجد القيادة من تتصل به سوى بابا الفاتيكان فرنسيس الثاني، حيث تمّ تبادل المجاملات والكلام الطيب، واستمع البابا فرنسيس لشكوى الرئيس أبو مازن، جراء السياسات (الإسرائيلية) الرسمية وغير الرسمية، وتغوّل المستوطنين في القدس وأحياء سلوان والشيخ جراح وتماديهم على المسجد الأقصى، وبالطبع أن الحبر الأعظم استمع بآذان صاغية وردّ بإعطاء أقصى ما لديه من تضامن وتمنيات بأن يعمّ السلام هذه الأرض المقدسة، وهو ولا بدّ تحدث عن فضائل الصبر وإيمانه الراسخ بها، وفي ظني أنه سيذكرنا بصلاة ويخصنا بدعائه.

منذ أيام شاركت في يوم بحثي في مدينة نابلس، وكان من بين المتحدثين، مسؤول أوروبي، قال لنا، إنه كلما اجتمع مع فريق فلسطيني سواء بالضفة أو غزة، يسمع منهم مطالب واقتراحات، من نوع: على الأوروبيين أن يفعلوا كذا، وأن يقدموا ذاك، وأكمل: أجيبهم أنّ المجموعة الأوروبية تتكوّن من سبعة وعشرين دولة تمثل سبعة وعشرين أمة تحتاج أن تتفق جميعها على ما ستدفع أو تفعل، فيما أنتم فصيلان وتنتميان إلى شعب واحد وغير قادرين على الاتفاق، لذلك أقول لكم اتفقوا مع بعضكم أولاً قبل أن تطالبوا الآخرين بالاتفاق على سياسة تجاهكم، تصل إلينا كل هذه الرسائل في رام الله وغزة، ويتعثر الأداء الحكومي والإداري، تنشر هيئه الرقابة الرسمية تقارير عن خراب وفساد يعرفه الجميع، ولا يخفى على أحد، تنسد آفاق العمل السياسي، وكل يتمترس في مربعه، مستعد للحوار والتفاوض مع كثير ممن يختلف معهم، ولكنه غير قابل للتفاوض الجدي والذي يصل إلى نتائج مع الآخر الفلسطيني .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى