مخاض لتأبيد النظام الطائفي
} ابراهيم سكاف
صحيح أنّ اتفاق الطائف أنهى الحرب الأهلية في لبنان، غير أنّ النظام الطائفي أحكم قبضته، وجعل من المواطنين رعايا طوائف ومذاهب، تحت إمرة القوى الطائفية، وكل جهة طائفية أحكمت قبضتها على رعاياها من خلال التنفيعات، ما شكّل تدميراً ممنهجاً لفكرة المواطنة الحقّة.
هذا هو الواقع، والأخطر أنه لا وجود على الإطلاق لقوى مجتمع مدني في لبنان، باستثناء أحزاب قليلة جداً لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، وفي طليعتها الأحزاب العلمانية.
منذ العام 2019، انضمّت إلى المشهد اللبناني جمعيات ومؤسسات تحت مسمّى «المجتمع المدني»، ومعها تدحرجت الأزمات اقتصادياً واجتماعياً وصحياً ومالياً، تدهوراً وانهياراً، وبات المواطن يفتقد كلّ مقومات العيش الكريم، من دون أن تظهر أية ملامح لحلول مرتقبة!
الجمعيات والمؤسسات التي اتخذت لنفسها تسمية «المجتمع المدني» وأطلقت على حراكها تسمية «ثورة»، سرعان ما تموضعت ضمن خيارات أحزاب وقوى طائفية، وبحسب العديد من المتابعين، فإنّ ما يسمى قوى «الثورة»، هم أنفسهم من طينة رعايا الطوائف والمذاهب، مع فارق أنهم يعلنون ما لا يضمرون، وفي ظلّ وقائع كثيرة تؤكد قيامهم بوظائف تصبّ في خانة القوى الدولية التي تقف خلفهم تأهيلاً وتمويلاً.
على اية حال، فإنّ كلّ كلام عن وجود قوى مجتمع مدني ناشئة حديثاً في لبنان، يحتاج إلى تدقيق وإلى براهين، ولذلك، فإنّ لبنان لا يسير راهناً باتجاه التغيير، بل باتجاه تأبيد نظامه الطائفي المقيت.
وعود على الأزمات المستفحلة التي يمرّ بها لبنان، فإنّ مؤسسات الدولة، وبعد توقف الحرب، اعتمدت سياسة الاستدانة من الدول، والحصول على القروض من صندوق النقد الدولي لإعادة الإعمار وزيادة الاستثمارات. لقد حصل لبنان على العديد من القروض الميسّرة و»الهبات» من الدول المانحة لتحسين وضعية بناه التحتية والكهرباء والخدمات، وكان مأمولاً أن يسهم ذلك في ازدهار البلد وانخفاض البطالة وازدياد القوة الشرائية للمواطن، غير أن «حسابات الغلة غير حسابات البيدر»، والنتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع ارقام الدين العام. انّ الأزمة الحالية (الاقتصادية، المالية والصحية) بيّنت عجزاً مخيفاً عن مواجهة الازمات والحدّ من منسوب الفساد والزبائنية.
لقد كشف انفجار مرفأ بيروت عجز الدولة عن القيام بأبسط واجباتها، في حين تمّ تظهير دور للجمعيات المحلية والعالمية، ووصلت مساعدات دولية لبعض هذه الجمعيات، بذريعة عدم الثقة بالدولة على توزيع المساعدات على متضرري المرفأ، لكن بالنتيجة فإنّ صرخة المتضررين وضعت الجمعيات في مركب واحد مع الدولة لجهة عدم الشفافية.
وعليه، فإنّ الحديث وجود قوى «مجتمع مدني» في لبنان، مبالغ فيه، لا بل لا صلة له بالواقع. الواقع في لبنان مرير، وربما أنّ كلّ هذا المشهد القائم والحافل بالأزمات، هو مخاض لتأبيد النظام الطائفي، بعناصر وأدوات مدنية الشكل وطائفية المضمون.