السيد نصرالله في محطته الثالثة: حامي السلم الأهلي
ناصر قنديل
– عندما انطلقت المقاومة لفصائلها ومكوناتها المتعددة، وأكملت بقوتها الرئيسية التي مثلها حزب الله مسار التحرير ومن ثم الردع، كان السيد حسن نصرالله الذي توجته الانتصارات والتضحيات رمزاً لها، يجتاز المرحلة الأولى من صعود المقاومة بصفتها قوة التحرير والردع في مواجهة خطر كيان الاحتلال، وهو خطر لم يختلف عليه إثنان من عقلاء وحماء لبنان المسلمين والمسيحيين، وقد احتل التحذير من هذا الخطر أبرز ما تركه شارل مالك وميشال شيحا وموريس الجميل من أدبيات وتراث فكري، لكن هذه المقاومة التي يوقدها باقتدار السيد نصرالله هي التي وضعت هذه الأخطار بعيداً عن لبنان ولا تزال، حتى صارت مصدر القلق الوجودي على الكيان، وعندما انطلقت المقاومة نحو سورية لتدافع عن قلعتها وسندها التاريخي بوجه أوسع حروب المنطقة وأشملها وأعلاها سقوفاً، كانت تدرك حجم ما ينتظرها من تضحيات وصعوبات وتحديات، وخلال سنوات كانت المقاومة بقيادة السيد نصرالله ترفع شارة النصر مع سورية وقائدها الرئيس بشار الأسد على الحرب التي كلفت مئات مليارات الدولارات وجندت لها عشرات أجهزة الاستخبارات، ومئات وسائل الإعلام العملاقة وقرابة ربع مليون من التكفيريين الذين تم جلبهم من أصقاع الدنيا ليشكلوا جيشاً أشد اقتداراً ووحشية من كل جيوش حلف الناتو وحلفائه الإقليميين من عرب وغير عرب، فكان السيد نصرالله يجتاز محطته الثانية، وهي إنهاء خطر الإرهاب على الإقليم وفي قلبه لبنان، ويطلق المقاومة نحو تشكيل قوة إقليمية كبرى يحسب لها الحساب في توازنات المنطقة، وترفع معها لبنان من مرتبة الخاصرة الرخوة في المنطقة إلى مرتبة الرقم الأصعب.
– كل هذه الانتصارات والإنجازات، كانت في عيون أعداء المقاومة الدوليين والإقليميين، وصولاً إلى التقدير القائم على أن استقرار لبنان ومناعة سلمه الأهلي يشكلان القاعدة الصلبة التي تنطلق منها المقاومة وتستمد بفعلها قدرتها على الحركة، ليصير السلم الأهلي على رأس جدول استهدفات هؤلاء الأعداء الذين تديرهم واشنطن، التي ازدادت حاجتها لإرباك المقاومة واستنزافها على أبواب اتخاذ قرار الانسحاب الأميركي من المنطقة والحاجة لبوليصة تأمين لأمن كيان الاحتلال تسبق هذا الانسحاب، وخلال سنتين صعد الأميركي من اهتمامه بالداخل اللبناني استثماراً على محاولات النيل من المقاومة وتفجير بيئتها، وكان كل ما شهدناه من محاولات شيطنة وتحميل مسؤولية للأزمة الاقتصادية وربط حلها بإضعاف المقاومة وتخلي اللبنانيين عنها، لكن ما جرى جاء بنتائج عكسية مع سفن كسر الحصار التي جلبت عبرها المقاومة المازوت الإيراني عبر سورية، وخلقت تداعيات أظهرت الأميركي في موقع المتسبب بالأزمة عبر حصاره للبنان، ومسارعته لمنافسة المقاومة بتظهير الحرص على المساعدة بفك بعض حصاره عبر استثناء بعض العقوبات على استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية، وصولاً لتسريع تشكيل الحكومة بطلب أميركي مباشر، ولم يبق إلا الرهان على إشغال المقاومة بالفتنة الداخلية طريقاً لتحقيق الهدف.
– خلال سنوات كانت القوات اللبنانية تقدم أوراق اعتمادها للأميركي ودول الخليج الراغبة بالنيل من حزب الله، بصفتها الحصان الجاهز لخوض هذا السباق، وأظهرت تجربة احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية استعداد القوات لإحراق السفن للحصول على هذا التفويض، وتقاطعت القناعة الأميركية بالحاجة لإضعاف حزب الله عبر النيل من حليفه المسيحي الذي يمثله التيار الوطني الحر مع الحاجة لاستخدام القوات اللبنانية لإشغال حزب الله وتوريطه بحرب داخلية، وشكلت الشراكة الأميركية مع القوات في إدارة ملف انفجار المرفأ وتداعياته ومتابعة التحقيقات أول محطات اعتماد القوات أميركياً، بتمويل خليجي، كحصان رهان لتعبئة طائفية تسعى لتعليب التحقيق والانفجار والضحايا والخسائر ضمن العلبة الطائفية، وجاءت النتائج تؤكد حجم الاحتقان الطائفي الذي تم تحقيقه بمنسوب مرتفع، إلى أن كانت مجزرة الطيونة التي وصفها رئيس حزب القوات بميني سبعة أيار مسيحي، واحتفل بها قادة القوات كإنجاز في خلق بيئة مسيحية قلقة وخائفة وإعادة تقديم القوات كمدافع عن الوجود المسيحي، وحزب الله كمصدر للخطر، والتيار الوطني الحر كمن يبيع أمن المسيحيين لقاء مكاسب سلطوية.
– جاء خطاب السيد نصرالله أمس ليقلب ما توهم الأميركيون وجماعة القوات إنجازه خلال كل ما مضى، رأساً على عقب، ناثراً شظاياه ذات اليمين وذات الشمال، مقدماً مطالعة تاريخية تحليلية مليئة بالوقائع والمعلومات، تخاطب الوجدان المسيحي، وتستذكر كل الماضي القريب والبعيد، لطرح أسئلة تطلب جواباً من كل مواطن ومسؤول ومثقف، هل القوات حزب الحرب الأهلية، هل حزب الله مصدر خطر على المسيحيين، هل الحرب الأهلية خيار يحقق المصلحة اللبنانية والمسيحية خصوصاً، هل دخلت القوات حرباً وربحتها، وهل دخل حزب الله حرباً وخسرها، هل دخلت القوات حرباً ولم تنتهِ بتهجير المسيحيين، وهل دخل حزب الله حرباً في منطقة يتواجد فيها المسيحيون وسمح بتهجيرهم، وهل رواية القوات عن فرصة لتغيير معادلة القوة واقعية، هل يمكن للقوات أن تراهن على وقتها بوجه حزب الله إذا وقعت الواقعة، وهل رهان القوات على حلفاء إقليميين في مكانها، وكان العرض المتسلسل السلس للسيد حسن نصرالله مليئاً بالوقائع والحجج وصولاً للردع، وفقاً لمعادلة خذوا على يد من يريد تفجير البلد، وقولوا له أن يقعد عاقلاً ويتأدب، ومن يريد إضعاف المسيحيين ليس من يقاتل لنيلهم قانون انتخاب ينصفهم، ويتمسك بالمناصفة ويرفض المثالثة، وبوصول زعيمهم الأقوى إلى الرئاسة، ومن يريد أمن المسيحيين ليس من يحالف النصرة وداعش ويقول لسكان الأشرفية هؤلاء حلفاؤنا، ويتبنى حربهم في سورية وجرود البقاع، بل من قاتلهم هناك، وحمى اللبنانيين مسلمين ومسيحيين.
– اجتاز السيد حسن نصرالله أمس محطته الثالثة بصفته حامياً للسلم الأهلي بامتياز.