أولى

أزمات الإقليم… هل هي في طريقها للحلّ؟!

 د. جمال زهران*

إقليم المنطقة العربية، وإقليم «الشرق الأوسط» بإدخال دول الجوار العربي (إيران ـ تركيا ـ إثيوبيا)، يعجّ بالأزمات التي تبدو وكأنها مستعصية على الحلّ من جانب، وتبدو أيضاً أنها من صنع أطراف خارجية أكثر من صنع الأطراف الداخلية أعضاء الإقليم. أي أنّ الأطراف الخارجية، من قوى كبرى تلعب دوراً كبيراً في صنع الأزمة وتطورها وجعلها مستعصية على الحل، إلا إذا قرّرت هي أن تحلها.

وما زلت أذكر على سبيل المثال أزمة البلقان وتفكيك يوغسلافيا ـ على رغم أنها من خارج الإقليم، ولكنها قريبة منه، صنعت بإرادة الغرب وتطورت وراح ضحيتها أكثر من مليون قتيل، وانفجرت حرب البوسنة والهرسك، ومن بعدها كوسوفا، واستمرت نحو 4 سنوات (1992 – 1996)، إلى أن قرّرت الولايات المتحدة بعد سيطرتها على النظام الدولي بعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي القطب الدولي المنافس قبل ذلك، استدعاء جميع الأطراف في واشنطن وداخل قاعدة عسكرية (دايتون)، ثم عقد اتفاقية وقف الحرب والمجازر، وحلّ الأزمة، وعودة الجميع إلى ثكناته، بعد أن تمّ الانتقام من يوغسلافيا الدولة القائدة في نظام الحرب الباردة وأحد صناع حركة عدم الانحياز، وبعد أن تم تفكيكها إلى 6 دول!

وإعمالاً لمبدأ «الازدواجية الاستعمارية الغربية»، فإنّ الغرب الأوروبي والمدعوم أميركياً، حال دون أن تنشأ دولة إسلامية خالصة في أوروبا، هي «البوسنة والهرسك»، واشترط إنهاء الأزمة، باستبعاد الفكرة الدينية عن هذه الدولة، وبعدها «كوسوفا»، على رغم أن كلاً منها يبلغ عدد سكانها، يتجاوز الـ 90 في المئة مسلمون! على حين أن ذات هذه الـ «أوروبا» الاستعمارية وأميركا، تدعم فكرة الدولة اليهودية «في فلسطين، لطرد الفلسطينيين، وذلك بشكل علني سافر، لتصبح دولة الكيان الصهيوني المسماة بـ «إسرائيل»، يهودية خالصة، ولا مكان لأي من الديانات الأخرى (مسلمون/ مسيحيون) وهم في الأصل فلسطينيون، على أرض الكيان.

بالتالي يحدث الطرد الثاني للفلسطينيين، حيث كان الطرد الأول بحجة وتحت مبررات، إنشاء كيان قومي لليهود المطرودين من العالم كله. والطرد الثاني يصبح طرد جميع من ليسوا بيهود، لتأسيس «الدولة اليهودية» الخالصة على أساس ديني محض. فما هو مرفوض للغالبية المسلمة بإنشاء دولة في البوسنة والهرسك، وكوسوفا، مقبول ومحل موافقة صريحة وعلنية للدولة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية!

ولو فسّرنا من هذا المنظور، سرّ العداء الغربي لجمهورية إيران الإسلامية، يمكن إرجاعه إلى كراهية الغرب لفكرة الدولة الإسلامية الخالصة ذات التوجه المعادي للغرب، وهو السر وراء استمرار الصراع الإيراني- الغربي على خلفية رفض يصل إلى حد المقاومة، للمشروع الصهيوني، والدفاع الصريح من جانب إيران عن المقدسات الإسلامية، عكس الكثير من النظم العربية الحليفة والتابعة لأميركا، والتي تدور في فلك المشروع الأميركي الصهيوني، إلى حدّ الخيانة للمقدسات الإسلامية، وإقرار اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت ضغوط أميركية بخاصة في عهد ترامب!

لكنها القوة، وموازينها، ولولاها، لتمّت إبادة إيران كما حدث في البلقان، ضد البوسنة والهرسك وكوسوفو. وما حدث في أفغانستان أخيراً بعد عشرين سنة احتلال، اضطرت أميركا للانسحاب من أفغانستان تحت تزايد الخسائر وقوة المقاومة، والتسليم لجماعة «طالبان» بالعودة لحكم البلاد باعتبار أن أفغانستان دولة إسلامية خالصة!

وتلك هي الصورة الخلفية لكيفية حل أزمات الإقليم على المستوى العربي وعلى مستوى «الشرق أوسطي». فالأزمات القائمة عربياً، تتمثل في الأزمة السورية، والأزمة اللبنانية، والأزمة العراقية، والأزمة اليمنية، وذلك في الشرق العربي. بينما الأزمات في الغرب العربي، تتمثل في أزمة سدّ «الخراب» بين مصر وإثيوبيا، والأزمة الليبية، والأزمة المغربية الجزائرية حول جمهورية الصحراء الغربية، والأزمة التونسية.

على حين هناك أزمة تركيا مع أوروبا، وفي الخلفية رغبة تركيا في الاستقلالية مع إقامة الدولة الإسلامية، بينما ترفض أوروبا ذلك، وما تثيره من مشكلات في سورية والعراق! فضلاً عن أزمة إيران ومشروعها النووي ومحاولات الاحتواء الغربي، وسط حماية وغطاء دولي لها من روسيا والصين!

ومحاولات الدعم الخارجي لإثيوبيا في مواجهة مصر، وسط إدارة مصرية سلبية، للأزمة حول سد «الخراب»، لا تصل إلى حماية نصيب مصر من المياه (55.5) مليار متر مكعب!

السؤال: كيف لكل هذه الأزمات في الإقليم، أن تجد سبيلها للحل، وسط محورين كبيرين هما محور التبعية للمشروع الأميركي الصهيوني، وتداعياته السلبية، ومحور المقاومة لهذا المشروع الصهيو/ أميركي؟!

اعتقد أن هذا السؤال الكبير، تتعدد الإجابات بحسب رؤى كل فريق إزاءها، ويحتاج مجهودات ضخمة للغاية. ولكن ستظل «القوة» وموازينها هي العنصر الحاسم في الوصول إلى حلول تخلق الاستقرار وتضع الإقليم على طريق التقدم الحقيقي، مثلما حدث في إقليم جنوب شرقي آسيا، الذي أحدث التقدم للشعوب، على رغم محاولات الغرب الاستعماري إعاقة ذلك، لكنهم انتصروا بالإرادة، والعزم والديمقراطية. ولو توافرت الإرادة الذاتية الوطنية، وخلق المناخ الديمقراطي الحقيقي، لأسهم ذلك في حل الأزمات الكبرى، وتحقيق التقدم وتحرير فلسطين وطرد اليهود الاستعماريين، وتحقيق الوحدة العربية. وتلك هي أحلام تبدو بعيدة المنال، ولكن الترويج لها، هو الطريق لترجمة الأحلام إلى واقع فعلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى