ألغام على الطريق: من المرفأ إلى الطيونة!
} حسن الدّر
وضع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله نقاط المواقف على حروف الأحداث، كي لا تذهب البلاد إلى حيث يجرؤ التقسيميون، وكي لا يقع الخبثاء فريسة تواضع الأقوياء، وكي لا تنطلي الحيلة على البسطاء والأبرياء.
فقد عضّ الثنائي الوطني، حركة أمل وحزب الله، على الجرح الغائر في كمين الطيونة واستطاعت القيادة الوطنية لملمة جراح عوائل الشهداء والجرحى، واحتواء الحزن الكامن قلوب وصدور الجمهور الغاضب، وأداً للفتنة ودرءاً للخطر وحفاظاً على ما تبقى من نسيج وطني وسلم أهلي.
ولكن، ثمة ألغاماً خطيرة ما زالت مزروعة في طريق الاستقرار الأمني والسياسي والقضائي لا بدّ من تفكيكها لتجنيب اللبنانيين مزيداً من الانقسام والتفرقة.
أول الألغام وأخطرها قضية تحقيقات انفجار المرفأ والسلوك الملتبس للقاضي طارق البيطار، خصوصاً بعد كمين الطيونة الذي كان نتيجة لأداء البيطار وتمسكه بقراراته الاستنسابية، رغم الاعتراضات الواسعة من أحزاب وقوى سياسية ومرجعيات دينية وقضائية من مختلف المكونات اللبنانية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول هذا الإصرار المدعوم من آلة إعلامية منظمة ودعم داخلي وخارجي معلن لصناعة رأي عام ضاغط باتجاه محدّد وواضح، تحوّل معه قاضي التحقيق العدلي إلى رأس حربة سياسية في مواجهة فريق بعينه.
وفي هذا الإطار يتمسك الثنائي بموقفه الحاسم بتنحية البيطار ورفض أيّ صيغة تبقيه في موقعه.
وعليه تبقى الحكومة في حالة شلل يدخلها في فترة تصريف أعمال مبكرة، بعد أقلّ من شهرين على تشكيلها.
ثاني الألغام يتمثل في مسار التحقيقات بمجزرة الطيونة بعد الالتباسات الكبيرة التي رافقت أحداث يوم الخميس المشؤوم، بدءاً بتغيير بيان قيادة الجيش مروراً بالمقابلة التلفزيونية لرئيس حزب القوات اللبنانية وتباهيه بـ «ميني ٧ أيار مسيحي» وصولاً إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت بتوقيت مريب، وتظهر قيام عنصر من الجيش اللبناني بإطلاق النار، بشكل مباشر ومن مسافة صفر، على مجموعة من المعتصمين العزل، كأن المقصود منها حرف الأنظار عن مسؤولية القوات اللبنانية عن الكمين المدبّر، وتهيئة المناخات لمحاولة جر المقاومة، لاحقاً، إلى مواجهة مع الجيش اللبناني.
وقد أعلن السيد نصرالله صراحةً بأنّ حق الشهداء والجرحى يؤخذ بتحقيق شفاف وقصاص قضائي عادل، وإلا فإنّ لقيادتي أمل وحزب الله إجراء آخر!
أما اللغم الثالث فيتعلق بمصير الانتخابات النيابية في ظلّ الأجواء المشحونة، فهل تنجح المساعي السياسية والقضائية في تهيئة الأجواء الملائمة؟
الإجابة عن السؤال مرهونة بآلية التعاطي مع اللغمين الأولين، وهنا يبرز دور رئيسي الجمهورية والحكومة في اتخاذ إجراءات دستورية ترقى إلى خطورة قضيتي تحقيقات المرفأ والطيونة، وتأخذ بالاعتبار حساسية موقف الثنائي وهواجسه من الملفين الشائكين.
في الختام، يصحّ إطلاق «خطاب الردع» على كلام السيد نصرالله الأخير، حيث كشف للمرة الأولى عن حجم عديد المقاتلين المنظمين في صفوف حزب الله، وهذه خطوة لها دلالات عميقة في مناسبتها وتوقيتها.
فعلى مدى عقود من الصراع مع العدو «الإسرائيلي» لم تكشف المقاومة عن معلومة كهذه، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدلّ على حجم الخطر المحدق بلبنان على أبواب الخروج الأميركي من المنطقة، وعلى خباثة المخطط الذي ارتضى رئيس حزب القوات اللبنانية أن يكون أداته.
وبمراجعة تاريخية بسيطة لماضي الرجل وقوات صدمه يتضح فشل خياراته وسوء تقديراته، وهو بالمناسبة لم يخض حرباً رابحة، وسجله الدموي ممهور بالقتل والاغتيال، وما فعله في الطيونة حلقة من مسلسل غدر طويل هو بطله.
عليه أن يقرأ تقارير المؤسسات الأمنية والعسكرية العربية والغربية عن حجم وقوة وقدرة المقاومة، ويأخذ عبرة من الانتصارات المتراكمة على مساحة الإقليم ليدرك بأنه مشروع «كبش محرقة» لتقاطع أميركي سعودي في لبنان.
وإذا استمرّ في غيّه وغلوائه ووقعت الواقعة فلن يسعفه الوقت ليتفاجأ بما ينتظره!