17 تشرين الأول بعد عامين
معن بشور*
أفضل ما نحيي به ذكرى مرور عامين على انتفاضة 17 تشرين الأول عام 2019… ونحيي فيه الجماهير العظيمة التي أكدت وحدة اللبنانيين كلهم في مطلب العدالة والكرامة ومقاومة الفساد والتي هي استكمال طبيعي لمقاومة الاحتلال، هو أن ننكبّ على دراسة مآلات الأمور الرهيبة التي شهدتها البلاد على مدى عامين لنخرج بالدروس والعبر التي تجعل من انتفاضاتنا الآتية، وهي قادمة بإذن الله، أكثر قدرة على تحقيق أهدافها…
ولعلّ الدروس الأبرز التي ينبغي التأكيد عليها هي:
1 ـ وحدة اللبنانيين العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق والعصبيات الضيقة. فلقد أثبتت التجارب أنّ اللبنانيين ما اجتمعوا يوماً على أمر إلا وانتصروا وما تباعدوا يوماً إلا وفشلوا وذهبت ريحهم.
2 ـ أنّ وحدة اللبنانيين تتطلب أولاً تعميق ثقافة الوحدة بينهم وإعلاءها على ثقافة تغلب الاعتبار الفئوي على الاعتبار الوطني الجامع ونتحرّر جميعاً من لغتين مدمّرتين لغة التشهير بمن نختلف معه حتى لو أصاب… ولغة التبرير لمن تتوافق معه حتى لو أخطأ بل وأجرم… ونعتمد لغة الإنصاف والموضوعية في التعامل مع كلّ ما تواجهه.
3 ـ أن ندرك عمق الترابط بين الحصار الخارجي والفساد الداخلي في إيصال لبنان إلى ما وصل إليه… فلا نسكت على فساد في الداخل بحجة وجود مؤامرة في الخارج.. ولا نتجاهل وجود مؤامرة دائمة في الخارج بحجة مقاومة فساد في الداخل.. فساد الداخل وحصار الخارج هما وجهان لمنظومة واحدة حيث يرعى محاصرو الخارج فاسدي الداخل ويشجعونهم والذين مهمّتهم إيجاد الثغرات في الدخل لتسلل متآمري الخارج.
4 ـ أن ندرك أهمية تشكيل جبهة وطنية عريضة للتغيير وعابرة للطوائف والمذاهب والمناطق والعصبيات الضيقة.. ومتحرّرة من الذاتيات والأنانيات ونزعات التسلط والإقصاء التي عانى منها كثيراً منتفضو 17 تشرين.
5 ـ أن نحرص كثيراً على استقلالية الحراك الشعبي عن أي ارتهان خارجي مهما كانت مغرياته المالية والإعلامية والسياسية… فلقد شكل الارتهان، مهما كانت مبرّراته نقطة ضعف رئيسية في العديد من تحركاتنا وحركاتنا أياً كانت النوايا.
6 ـ أن ندرك أنّ في لبنان «مجتمعاً عميقاً»، يُضاف إلى وجود «دولة عميقة» ينبغي أن نحسب لهما حساباً في أيّ تحرّك كي لا نصاب بالفشل واليأس.. ومثل هذا الإدراك يحتاج إلى برنامج ناضج ومتكامل… وتنسيقية موثوقة جامعة… تقود إلى تحرك محصن بوجه كافة الاختراقات..
7 ـ أن ندرك جميعاً أنّ إنقاذ لبنان نابع من إدراك الترابط بين وحدة أبنائه وشفافية حكمه في الداخل وبين عمقه العربي والشرقي سواء في الاقتصاد أو الأمن أو الاستقلال الحقيقي.. وأنّ البوابة إلى هذا العمق هي سورية، كما يقول التاريخ ووثيقة الطائف نفسها، أياً كان النظام القائم في دمشق، وأنّ الإصرار على بقاء هذه البوابة مقفلة ينسجم مع إصرار «البعض» على إبقاء لبنان أسير الاقتتال بين أبنائه…
أفكار بسيطة نضعها للنقاش بين أحرار البلاد الذين انتفضوا قبل عامين من أجل شعبهم وليس لأيّ غاية أو ارتهان.