هل من يقدر على وضع حدّ لطوفان الحكام وشهواتهم للسلطة والمال قبل خراب البلد؟
} علي بدر الدين
سلسلة معقدة من الأزمات والمشكلات والمعاناة القاسية جدا، تطوق اعناق اللبنانيين حتى الإختناق، وتضرب تداعياتها بقوة في أمكنتهم وأزمنتهم وأجسادهم الهزيلة التي «تورمت»، وباتت تنزف دما وفقرا وجوعا وتهجيرا وإحتضارا بطيئاً أو مفاجئاً في حين، أنّ الجلاد المتمثل بالسلطة لايزال على حاله وجبروته وظلمه واستبداده، يمارس ساديته، ويتلذذ بمشاهد الأرواح ألتي تزهق والدماء التي تسيل، والدموع التي تنهمر مدرارة من عيون الأمهات الثكالى ومن اليتامى ومن الآباء الذين باتوا من دون عمل أو أمل، بعد أن فقدوا القدرة على تأمين الحد الأدنى من قوت عيالهم، وإمكانية تسجيلهم في المدارس والجامعات، وقصر يده عن تأمين الدواء لهم اذا ما أصابهم مرض، وقد قهرهم الفقر وداهم بيوتهم واستوطن فيها، وجوّع عائلاتهم، وأذلّتهم السلطة ومافياتها وجشعها، التي صادرت إنسانيتهم بنار الاسعار التي ابتلعت مدّخراتهم على قلتها،بعد أن سرقت منهم «قرشهم الأبيض» الذي احتفظوا فيه لأيامهم السود التي أوصلتهم اليها معظم مكوّنات هذه الطبقة السياسية، وحوّلتهم إلى مجرد سلعة رخيصة في اسواقها السوداء، تبيعهم كلاما ووعودا ونفاقا، وتشتري منهم أرواحهم وحياتهم وكراماتهم، وتتحضر لشراء اصواتهم بأبخس الأثمان التي قد تكون بكرتونة «إعاشة» أوببطاقة «تمويلية»، على «الوعد ياكمون» ولن تبصر النور،لأنها لم تعد يوما بأمر مفيد للناس وتنفذه،ولأنها «حاطة» عينها على الدعم الدولي المالي المخصص للبطاقة، ولأن الشعب اللبناني الفقير الموعود فيها،بنظرها، لا يستأهل ولا يستحق المساعدة، وهوبالتجربة والبراهين مكبل وعاجز عن الحراك والصراخ، والمطالبة بحقه،ولن يجرؤ حاضرا كما لم يجرؤ ماضيا، على فعل ذلك، لأنه أصبح خارج النص والفعل،وليس بوارد المواجهة،وقد إستسلم منذ زمن طويل لها، طوعا اوقهرا أوغصبا عن رقبته،ورضي «بالهم والهم مش راضي»، وإعتاد على الحمولة الزائدة عن «طيب خاطر « ولم يعد له الحق ولا الخيار في الإعتراض اقله كرمى عيون من يظن انه ولي نعمته، والمدافع عن حقوقه ووجوده وإمتداده الطائفي والمذهبي والمناطقي. له «حق واحد» من دون حرية التصرف به،الذي هو» صوته» الذيهه مجرد رقم يدلي به في صندوقة الإقتراع لمن «مص» دمه وجلده و»زلطه» وحرمه من نعم الصحة والأمان والسلام والحياة و»اللقمة» الحلال،وإلا فإن عاقبة الخروج من الحظيرة والصف ستكون وبالا عليه وعلى عائلته، وقد يتحمل وحده مسؤولية أي «سقطة» انتخابية وستلاحقه وصمة الخيانة والعار حتى وهوفي القبر أولوبلغ أرذل العمر.
رغم كارثية الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية ومأساويتها وتداعياتها الخطيرة التي رمت بكل أثقالها وشرورها على البلاد والعباد، فإن هذه السلطة لازالت تمعن في انتهاج سياسة الفساد والمحاصصة والحرمان والذل وعدم المسؤولية، التي لم تكن يوما على أجنداتها، وشغلها الشاغل،يقتصر على نصب الفخاخ المتبادلة لبعضها البعض طمعا في موقع أومنصب أوصفقة أوحصة، ونبش ملفات وفتح أخرى، لتوظيفها في المعركة الإنتخابية النيابية المقبلة، وهي على إستعداد لإشعال المزيد من الحرائق، وزهق الأرواح وسيلان انهر من الدماء، على ان لا تخسر مقعدا نيابيا، ولا يهتز نفوذها ولا تغيب عنها شمس السلطة ومردودها وجنات نعيمها، ولا هم عندها إنقاذ مصير وطن وشعب أوإفلاس دولة ومؤسسات، ولا انهيار إقتصاد، المهم ان تبقى متسيدة ومتسلطة ومتحكمة، وان لا تقع حتى لا يتكاثر عليها الشماتون والسلاخون لجلدها الذين ينتظرون وقوعها الحتمي آجلا أوعاجلا بإذن الله تعالى.
ما يحصل من صراعات مفتوحة على كل الإحتمالات،ومن مسارات وتطورات سياسية وأمنية وقضائية واقتصادية ومالية ومعيشية ودموية، منذ إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من أب، لغاية احداث الطيونة الدامية، وما أعقبها من تجاذبات وسجالات ومواقف عالية السقف والنبرة، سياسيا وطائفيا وأمنيا وقضائيا،كلها مؤشرات دامغة تنبئ بالأسوأ والاخطر والأشد إيلاما الذي لا قدرة لهذا الشعب المسكين على تحملها،اوالإستهانة والاستلشاق بها، أوإعتبارها سحابة صيف عابرة،اوأنها ليست جديدة أومفاجئة، لأنها احداث تدرب عليها اللبنانيون، وأصبحت جزءا من يومياتهم وتعبر بهدوء وسلاسة وكأن شيئا لم يحصل.
لا يا «سادة»يا حكام يا «كرام «،لقد فاض نهر الأزمات العصية على الحل،وهوعلى «قاب قوسين» ليمتلء بالدماء والدموع، والفقر والجوع والبطالة التي فاضت بها بيوت اللبنانيين، وبدأت تفتك بهم وبفعل الإنهيارات المتتالية على كل المستويات وفي كل القطاعات والخدمات،التي نخرت جسد البلد وخنقت شعبه إلى حد القتل، مع انه لايزال مسجلا على قيد الحياة في سجلات النفوس، وانتم من طين اونار تسرحون وتمرحون في ابراجكم وقصوركم وملاعب التنس في حدائقها ومحمياتها الأمنية تتمتعون بحياة الرفاهية والهناء والسعادة، وتتنعمون بالكهرباء وتنامون وتصحون على مكيفات التبريد والتدفئة، لا تعرفون الفصول لأنكم لا تشعرون ببرد الشتاء ولا بقيظ الصيف، ولا تمرضون ولا حتى تموتون،مع أن الموت حق على الجميع و»كل نفس ذائقة الموت «،حتى هذا الموت الحتمي يخاف من تخطي عتباتكم.ما الذي يردعكم ويمنعكم من مواصلة ظلمكم لشعبكم الذي يعاني ويئن ويجوع ويحترق بنار تسلطكم وجبركم وجوعكم الذي لا مفعول انتهاء اوصلاحية له للسلطة والمال والنفوذ.
كل هذا الجحيم الجهنمي الذي ادخلتم الناس فيه عن قصد وسوء نية واصرار وتصميم لم يحرك «الخير «،المعدوم في قلوبكم، بل على العكس زاد من شراهتكم ونهمكم لتحقيق المزيد من الثروات والسلطات والمواقع، وصدق من قال يوما، انكم كالنار في الهشيم ألتي تطلب دائما المزيد، ولا يقدر شيء اوأحد على إطفائها إذا ما إستعرت وزادت إشتعالا حتى تحرق الأخضر واليابس، وتأخذ في طريقها البشر والشجر والحجر والارزاق وكل شيء يعترض طريقها كائنا من يكون، يلزم وما لا لزوم له.
وما زلتم على غيكم،وقد مسحتم لبنان ودولته وشعبه وتاريخه وحاضره عن الخرائط على انواعها وحولتموه إلى كائن لاحول له ولاقوة، معلقا بين الحياة والإندثار والإحتضار بسبب شهواتكم السلطوية، التي تبيض لكم الماسا وذهبا وطغيانا ومالا، وتركتم شعبكم في صحار مقفرة مظلمة، يهيم على وجهه، من دون مغيث أومعين، يصارع طواحين الهواء والجوع والعطش والعتمة، عله ينقذ نفسه وعائلته من الوحوش الكاسرة التي في داخلكم،اما لليلكم المظلم الذي طال كثيرا من نهاية؟
ومتى ينتهي كابوسكم،وتعودون إلى «رشدكم» وترأفوا بحال شعبكم، ألذي لم يعد يملك سوى رفع يده المرتجفة إلى رب السماوات والأرض والدعاء، للتعجيل بموتكم، عل وعسى يكون فيه الخلاص منكم، وينتهي طوفانكم الذي قتل ودمّر وخرّب وأفقر وجوع وأذل وحرم.إن الله سميع مجيب.