الخاسرون في بحر الشام ينحرون خليفتهم في أنقرة
محمد صادق الحسيني
قرن من الحروب الفاشلة بكلّ مآسيها يقترب من محطته الأخيرة من النقطة التي انطلق منها بمعادلاته الظالمة!
كان ذلك مع نهاية الحرب الكونية الأولى، ثم تبعتها الحرب الكونية الثانية والطغاة لم يتعلموا الدرس.
إنها أقرب ما تكون إلى الحرب العالمية الثالثة تلك التي أعلن عنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد كل العالم الآخر في عام 2001 على خلفية سيناريو مهاجمة البرجين في ما سُمّي وقتها بأحداث سبتمبر/ أيلول، والتي وظفت في غزو أفغانستان ثم العراق ثم سورية وها هي تقترب من نهاياتها مع بدء موسم دفع الأثمان من قبل الخاسرين!
آخر مشاهد المنكسرين الذين هزموا في تلك الحرب والذين بات عليهم دفع ثمن خسارتهم لها هي تركيا بقيادة أردوغان.
فأردوغان الذي تمّ تسليمه حكم تركيا في عام 2003 في ترتيب مع قيادات حكومة العالم الخفية وبشكل أكثر تحديداً مع واحد من أبرز رموز الماسونية العالمية جورج سوروس، ها هو يقترب من خط دفاعه الأخير كما فعل هتلر في برلين ليترك المسرح لآخرين في عام 1923 مع استحقاق الانتخابات الرئاسية التي يقول كثيرون إنه قد لا يدركها إما بسبب موته بالسرطان أو قتلاً أو بانقلاب عسكري جديد..!
هذا الكابوس الذي يعيشه ويدركه أردوغان جيداً هو الذي دفعه أخيراً لتصعيد استفزازه للجميع بمن فيهم واشنطن ومعها 9 دول أوروبية على خلفية مطالبتهم إياه بإطلاق سراح المعارض التركي المعتقل رجل الأعمال «المدني» العميل بربطة عنق أنيقة.
دفاع الغرب المستميت في إطار حملة دولية شرسة عن عثمان كافالا هذا، مقابل حنق أردوغان وغضبه من شركائه في الناتو الذين يريدونه مغادرة المسرح كجزء من أثمان خسارتهم للحرب العالمية ستكون هي المحطة الأكثر حماسة للمتابعة في سيناريو انسحاب الغرب من بلادنا وانتقال مركز ثقل العالم من الغرب إلى الشرق!
اللافت في استنفار أردوغان تجاه عميل الغرب عثمان كافالا المتهم بارتباطه الوثيق مع الغرب ومع جورج سوروس، هو أنّ معلمهما واحد، وأنّ ما يحصل اليوم من انقلاب السفارات ضده ومن نزاع داخلي بينه وبين سائر رجال الغرب الذين قرر حبسهم بذريعة التآمر عليه إنما هو تبلور للمثل القائل :
النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
أردوغان تربع على عرش السلطة في أنقرة بالتوازي مع موجة صعود الفاشية العالمية الجديدة، فحاول أن يبلور مشروعه الطموح باستعادة ما خسرته الدولة العثمانية في اتفاقية لوزان في تموز 1923، ليكون خليفة لعثمانية جديدة بلباس طوراني متجدد..!
لم يحالفه الحظ في مشروعه الإمبراطوري، وها هي أحلامه تغور عميقاً في مياه بحر الشام (المتوسط)، ولم يسعفه في ذلك كلّ إقداماته المغامرة، منذ مقامرته الأولى في بحر الشام ومن ثم العراق ومرة من الباب الليبي الذي خلع عنه لصالح الإيطاليين في تلك الاتفاقية، وأخرى من باب تحشيد قومي ضد اليونان التي تنفّست من خلال قبرص الهدية البريطانية لها، ولا أخيراً تجاه عودة الشيخ إلى صباه من باب آسيا الوسطى والقوقاز!
آخر ما تبقى له هو الظهور بمظهر المسكين المعتدى عليه من خلال مزاعم الكراهية ضدّ الأتراك في أوروبا على الرغم من أنّ كلّ الدراسات تفيد بأنّ الأكثر مظلومية في هذا السياق هم الشعب الأرمني الشقيق ومن ثم السوريون واليونانيون.
لا يختلف اثنان الآن في أنّ ما يعاني منه أردوغان المتقهقر داخلياً وإقليمياً ودولياً، إنما هو وقوعه تحت وطأة ضرورة دفع الثمن غالياً من جيب الدولة التركية مع تفاقم منحنى الهبوط المدوي لليرة التركية.
والمعروف لكلّ المتبحّرين بالشأن التركي بأنّ البنية التجارية والصناعية التركية التي بين يديه أنما هي من فعل استثمارات عالمية، أميركية في الغالب، بنسب تتراوح بين 60 الى 70 في المئة، يقترب الغرب حالياً من اتخاذ قراره النهائي بسحب هذه التغطية عنها بعد فشل حصانه التركي في مهمة حارس مرمى الناتو الجنوبي أو المخلب الذي راهنوا عليه طوال العقدين الماضيين.
إنها ساعة الحساب القاسية التي يحاول أردوغان أن يوقف دورانها يائساً، فتراه يتخبّط يميناً وشمالاً لعلّ الدهر العاثر يفتح له ثغرة في جدار الكراهية الذي بناه بنفسه بينه وبين شعبه وبينه وبين كل شعوب المنطقة!
لكن الأهم من أردوغان هو أنّ أرباب البيت الغربي برمته الذي حاول ملّاكه وأسياد أردوغان أن يسمّوا القرن الواحد والعشرين باسمهم، هم الآن بصدد كتابة الفصل الأخير من خسارتهم للحرب الكبرى، فتراهم يمضون قدماً في تخبّطهم على غير هدىً بل ببصيرة عمياء.
إنها السنن الكونية التي لا تقبل التبدّل على رغم تغيّر الأحوال والحالات وتنوّعها!
يهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.
بعدنا طيبين قولوا الله…