واقع جديد تفرضه دمشق
} د. حسن مرهج
تفجير إرهابي في دمشق، يتبعه بشكل مباشر استهداف قاعدة التنف الأميركية في سورية؛ هما حدثان لهما ارتباط إقليمي ودولي، بطبيعة الأحداث في سورية وانعكاساتها المباشرة على الإقليم، وبذات التوقيت فإن تلك الأحداث المتسارعة بشقيها السياسي والعسكري، وضمناً الاقتصادي لجهة فتح باب الاستثمار بين دمشق وأبو ظبي، واللقاءات المكثفة الروسية- السورية، وكذا الإيرانية- السورية، فإن كل ذلك يشي صراحة بأن هناك مرحلة جديدة تُقبل عليها دمشق، التي باتت عنواناً إقليمياً، يستدعي من كافة القوى الإقليمية والدولية، طرق أبواب دمشق، للبدء بمرحلة جديدة تحوي عناوين سياسية واقتصادية.
تكرار الاعتداءات «الإسرائيلية» ضد دمشق، استدعى تحركاً من قبل حلفاء الدولة السورية، ولعل البيان الذي صدر من قبل حلفاء دمشق، وتوعدت من خلاله بالرد على الاعتداءات «الإسرائيلية» والأميركية ضد دمشق، تُرجم سريعاً عبر استهداف قاعدة التنف الأميركية، فقد استهدفت طائرات انتحارية مسيّرة غرف مبيت الجنود الأميركيين، إضافة إلى مطبخ ومستودع أغذية داخل قاعدة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن، بالترافق مع صواريخ استهدفت القاعدة ومحيطها، ما أدى إلى سماع دوي انفجارات عدة.
الأمر اللافت في استهداف قاعدة التنف، أنه لم يكن رداً على الاعتداءات «الإسرائيلية» فحسب، وإنما جاء ضمن توقيت أرادته قوى المقاومة مفاجئاً، لجهة التحركات الأميركية وضمناً الإسرائيلية ضدّ دمشق وبيروت على السواء، حيث أن الهجوم الأخير ضدّ دمشق، والذي استهدف وحدات سورية وأخرى تابعة للمقاومة، انطلق من قاعدة التنف الأميركية، وجاء بعد ذلك، كمين الطيونة في لبنان، وأخيراً التفجير الإرهابي الذي استهدف دمشق.
كلّ ما سبق، قرأته قوى المقاومة في دمشق وطهران وبيروت، على أنه تجاوز للخطوط الحمراء، وقرار أميركي – «إسرائيلي» بتغير قواعد الاشتباك العسكري والسياسي، من هنا جاء استهداف قاعدة التنف، وفق طريقة إيلام العدو، ووضعه أمام واقع جديد لا يمكن التغاضي عنه، أو حتى تجاهل رسائله.
حقيقة الأمر، فإن استهداف قاعدة التنف الأميركية في سورية، يأتي أيضاً ضمن توجهات عامة لدى قوى المقاومة في المنطقة، وبالارتكاز على جُملة ما تم تحقيقه سياسياً وعسكرياً خلال السنوات الماضية، ومن المهم التذكير، بأن دمشق وحلفاءها، كسرت الطوق الأميركي بشقيه السياسي والعسكري والاقتصادي، بمعنى أن أولوية قوى المقاومة في هذا التوقيت، تنطلق من محددات واضحة، حيال تحرير كافة مناطق الجغرافية السورية، من الاحتلالــين الأمــيركي والتركي، وعطفاً على ذلك، فقد حان الوقــت لرسم معــادلات ردع جديدة مع إسرائيل، وكذلك أميــركا، عبر الرد على الاستهدافات المباشرة والتي يذهب ضحيّتها مقاتلون من تشكيلات قوى المحور.
وربطاً بما سبق، ففي الأسابيع الأخيرة تكثفت الاتصالات واللقاءات بين دمشق وحلفائها، وبحسب مصادر، فقد كانت نتيجة تلك الاتصالات واللقاءات، هي تعزيز وجود قوات المحور على امتداد الجغرافيا السورية، بعدما كانت قد انخفضت أعداد هذه القوات خلال العام الفائت، وعلى سبيل المثال، بينما يستمر عقد اتفاقات التسوية في المنطقة الجنوبية، ويتوسّع انتشار الجيش السوري في كامل محافظة درعا، قامت قوات محور المقاومة بتعزيز مواقع انتشار قديمة لها في المناطق السورية المختلفة، وانتخبت مواقع جديدة، كما أرسلت إلى الجنوب السوري قوّات جديدة بمرافقة الجيش السوري بطريقة علنية، مع آلياتهم العسكرية ودباباتهم وكامل عتادهم، للمرة الأولى منذ اتفاق التسوية تحت الرعاية الروسية، صيف عام 2018.
من الواضح أن دمشق وحلفاءها، يرون أن الظروف الحالية مؤاتية لإحداث تغييرات في المشهد السوري – «الإسرائيلي»، والسوري – الأميركي، بالتالي، فإن مروحة التغيّرات بشقيها السياسي والعسكري، تعمل دمشق على استثمارها، وترجمة كل ذلك بعناوين سياسية واقتصادية، وحتى عسكرية.