هل تصحّ معادلة جعجع: استدعاء بري ونصرالله أولاً؟
} محمد حمية
لم يجِد رئيس حزب القوات سمير جعجع سبيلاً للتهرّب من تلبية دعوة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية للإستماع إليه، سوى وضع شرط على القضاء باستدعاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أولاً، فيما ذهب مسؤولون قواتيون لاشتراط مثول رئيس مجلس النواب نبيه بري أيضاً.
فهل يستوي هذا الطرح؟
ينطلق جعجع في منطقه وكأنه يملك الحق في وضع شروط على القضاء أو يقول له من يستدعي ومن لا يستدعي. وإذا كانت لديه رواية أخرى عما حدث في الطيونة تحمّل الطرف الآخر مسؤولية ما، فما عليه إلا المثول والإدلاء بما لديه، وللقضاء أن يقرّر من يستدعي أو لا يستدعي من دون أن يكون لجعجع أيّ حق في وضع شروط لكي يخضع للتحقيق.
أقرّ الموقوفون القواتيون في مديرية المخابرات بأنهم نفذوا الجريمة بتوجيهات من رئيس حزبهم، فيما بات لدى مخابرات الجيش رسماً كاملاً لسيناريو أحداث الطيونة بحسب ما علمت «البناء»، حيث تطابقت اعترافات الموقوفين مع الأدلة والوقائع وشهود العيان وأشرطة فيديو كاميرات المراقبة المحيطة للمكان وداتا الإتصالات والتي جمعتها المديرية قبل الجريمة بأيام وبعدها وخلالها.في المقابل لم يرتكب المتظاهرون العزل أيّ جريمة، فيما سقوط ضحايا من فريق أمل وحزب الله دون الجانب الآخر دليل حاسم على ذلك. كما لا اعترافات لموقوفين من أمل وحزب الله بأنهم تلقوا أوامر من قيادتهما لتنفيذ هجوم على عين الرمانة. وقد يصلح طرح «الحكيم» أيضاً لو كان «الثنائي» طرفاً في الجريمة وليس في الإشتباك فقط… فهل يتساوى القاتل برصاص القنص عمداً مع المقتول وإنْ بادر إلى الاستفزاز؟
لم تسبق التظاهرة أجواء شحن وتحريض من قبل قيادتي أمل وحزب الله أو بالقتل ولا أيّ تهديد يمتُّ بصلة لجعجع أو القوات ولا حتى للمحقق العدلي طارق البيطار، بينما هدّد جعجع ونوابه بالويل والثبور وعظائم الأمور من «إقفال عين الرمانة» و»شارع مقابل شارع».
أثبتت التحقيقات أنّ طبيعة الحركة العسكرية القواتية «قبل الكمين بيومين، تؤكد الإعداد لحرب عسكرية كاملة قد تستمرّ لأيام بحسب ما تشير معطيات أمنية وخبراء عسكريون لـ «البناء»، وقد أثبتت وقائع الميدان ذلك، فيما لم يعُدّ الثنائي سوى لتظاهرة خرقتها بعض الإستفزازات والتعديات من متظاهرين فيما جاء ظهور مسلحين من الشياح كرد فعل عفوي على سقوط شهداء، وهذا الاستنفار المسلح ليس جديداً بل حصل في مختلف المناطق اللبنانية، علماً أنّ الكثير من الاشتباكات المسلحة أكانت الأسباب عائلية أو عشائرية أو حزبية وسياسية، تحلّ بإٍسقاط دعاوى الحق الشخصي ويتولى القانون «تسوية» الحق العام، هذا في حال عدم سقوط ضحايا، أما في حال وقوع قتلى فلا حقّ شخصي يسقط ولا حقّ عام كحال جريمة الطيونة.
رفض جعجع سابقاً وضع شروط على المحقق العدلي وقال: «إتركوا القاضي يشتغل شغله» واعتبر أنّ أيّ اعتراض على أداء المحقق ورفض المثول لقراراته هو عرقلة للتحقيق، فلماذا إذاً يشترط جعجع على القضاء مثول نصرالله وبري أولاً؟ ولماذا لا يترك القضاء «يشتغل شغله» أيضاً؟ وهل يعتبر اشتراطه عرقلة للتحقيق في جريمة لا تقلّ شأناً عن جريمة المرفأ بالمفهوم القانوني العدلي والمعاني الإنسانية لا في عدد الضحايا وحجم الدمار؟
لطالما اعتبر جعجع أسباب تمنع مثول المدعى عليهم في تفجير المرفأ أمام المحقق العدلي، مجرد ذرائع للتهرّب من القضاء. فهل يمكن اعتبار اتهام جعجع للقضاء العسكري بالإنحياز هو مجرد حجة للتهرّب؟ مع فارقين جوهريين: الأول أن تهمة المدعى عليهم في تفجير المرفأ هي الإخلال بالموجبات الوظيفية (رغم إغفال البيطار مسؤولية القضاة الذين سمحوا بإنزال أطنان النيترات من الباخرة) وليس تنفيذ التفجير، بينما تهمة جعجع هي إصدار الأوامر لمناصريه بالقتل المتعمّد، والثانية أنّ ملاحقة الرؤساء والوزراء تخضع لأصول خاصة وتندرج ضمن صلاحية مجلس النواب، أما محاكمتهم فأمام المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء، فضلاً عن حصانتهم النيابية، بينما لا يتمتع جعجع بأيّ نوع من الحصانة ليرفض المثول بل يخضع للقضاء العادي العدلي أو العسكري.
لقد صُدِم اللبنانيون والقضاء أيضاً باعتراف جعجع بالجريمة في حواره على قناة «أم تي في»، ما سرّع تحرك القضاء لاستدعائه، فيما أحد لم يسمع أو يرّ بري أو نصرالله يعترف بجريمة أو عدوان على عين الرمانة!
يبدو أنّ معادلة «مع المحقق العدلي ولو كان على خطأ» و»فليحكم القضاء» في قضية المرفأ كقوله «فليحكم الأخوان»، اختارها جعجع كعنوان سياسي لخوض معركة الانتخابات النيابية قد سقطت. فكيف علِم جعجع بتورّط الحزب طالما أنّ المحقق العدلي يدّعي سرية التحقيق ولم يصدر قراره الظني بعد؟ ألا يُعتبر ذلك تجاوزاً للقضاء وضغطاً على المحقق العدلي وتضليلاً للتحقيق والرأي العام وتضييعاً للعدالة ولحقوق أهالي الشهداء والجرحى والمتضرّرين؟ ألا يستوجب من المحقق العدلي استدعاء جعجع لسؤاله عما يملكه من معلومات يستند إليها؟
بعد أن تبلغ رئيس القوات برقية الحضور إلى مديرية المخابرات في اليرزة لاستجوابه، قد يستطيع عدم الحضور مستقوياً بالأميركيين و»مظلوميته التاريخية»، وقد تنجح الوساطات الخارجية والضغوط السياسية بتسوية ما، لكن القضاء العسكري لن يستطع أمام هول جريمة الطيونة التراجع، بل سيتابع إجراءاته القضائية بحسب معلومات «البناء» من تكرار التبليغ فمذكرة إحضار، وبالتالي سيتحقق هدفان حتى لو لم يمثل جعجع وقد يكونان أهمّ من المثول: الأول يصبح جعجع رئيس الحزب الذي يدّعي أنّ مشروعه السياسي هو سيادة الدولة واحترام القضاء واستقلاليته وكأحد أركان حركة 14 آذار التي قادت البلاد في حقبات سابقة بشعارات العدالة والسيادة، سيتحوّل فاراً من وجه العدالة! أما الثاني، فهو سقوط نظرية جعجع التي سيخوض الإنتخابات النيابية على أساسها أي الدفاع عن البيطار والقضاء في وجه عرقلة حزب الله وفريقه السياسي للتحقيق، ويصبح جعجع في مواجهه مع القضاء نفسه الذي يدافع عنه، ما يضعه خارج الشرعية ورافضاً لمنطق الدولة، فهل يختار جعجع المثول أمام القضاء كأهون الشرّين…؟