عندما ينتصر وعينا على الجميع!
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن وعينا مقابل وعي الآخرين، فمنذ انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم، وبداية الحرب الكونية على سورية والتى تدثرت برداء الثورات الشعبية العربية أكدنا خصوصية تجربة الثورة واختلافها من قطر عربي لآخر، واعترضنا وبشدة على مصطلح الربيع العربي، وشرحنا الفرق بين ثورة الياسمين في تونس، والتي قامت بها الطبقة الوسطى ضدّ نظام زين العابدين بن علي الديكتاتوري الذي قام بتنفيذ الأجندة الرأسمالية الغربية مما أحدث أضراراً اجتماعية واقتصادية بالغة بالطبقة الوسطى في تونس فكانت أحد مبرّرات قيام الثورة ضدّه، ولا ننفي أنّ جماعات الإسلام السياسي المتطرفة قد استغلت الثورة وركبت الموجة واختطفتها لصالحها، وتحوّل الربيع التونسي إلى خريف ومعاناة يمكن أن تستمرّ طويلاً.
وبالطبع كانت ثورة يناير/ كانون الثاني في مصر ضدّ مبارك وعصابته ثورة حقيقية نتيجة لسياسات مبارك وحكوماته المتوالية على مدار ثلاثة عقود كاملة، حيث سار الرجل على خطى سلفه أنور السادات الذي قرّر ارتهان مصر وبيع إراداتها للمشروع الرأسمالي الغربي حين قال إنّ 99 في المئة من أوراق اللعبة في يد الأميركان، ثم كانت زيارته للكنيست «الإسرائيلي» والاستسلام للعدو الصهيوني وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد، ومن يومها وأحوال المصريّين تسير من سيّء إلى أسوأ، وتدهورت أحوالهم المعيشية بشكل كبير فكانت انتفاضة الخبز في يناير/ كانون الثاني 1977، ثم قتله على يد الجماعات الإرهابية التي احتمى بها وتحالف معها في بداية حكمه، ووفقاً لهذه السياسات التابعة أميركياً وصهيونياً تمّ إفقار الغالبية العظمى من شعب مصر، فكانت النتيجة الطبيعية هى ثورة يناير/ كانون الثاني ضدّ مبارك وحكومته، ولا ننفي أيضاً أنّ جماعة الإخوان الإرهابية التي تحالفت مع نظامي السادات ـ مبارك قد ركبت الثورة واختطفتها لصالحها، وتحوّل الربيع المصري إلى خريف بل وشتاء قارص البرودة، سرعان ما أدى إلى قيام موجة جديدة للثورة في يونيو/ حزيران تمكنت من الإطاحة بهم، لكن عاد رجال مبارك من جديد بعد أن اختطفت الثورة، ولا يزال الشعب المصري يعاني من السياسات القديمة والتي تتجدّد باستمرار.
ثم كانت الثورة اليمنية ضدّ ظلم ودكتاتورية علي عبدالله صالح نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من الشعب اليمني، ولا ننفي أنّ القوى الإمبريالية العالمية مع ذيولهم في منطقة الشرق الأوسط وحلفائهم في الداخل قد سعوا إلى إفساد الربيع اليمني فتحوّل إلى ظلام دامس.
وفي ما يتعلق بليبيا فلم تشهد ثورة ولم تكن هناك أيّ مبررات لحدوثها، لكن ما حدث هو غزو إمبريالي غربي لتفتيت وتقسيم دولة عربية غنية بمواردها الطبيعية وكان يقف حاكمها عقبة في سبيل تحقيق أطماع هذه القوى الدولية، فكانت النهاية الدراماتيكية للقذافي مثل صدام حسين، وعلى الرغم من تحفظنا على بعض تصرفاتهما، إلا أنّ ما حدث لهما هو مؤامرة عليهما وعلى شعبهما.
وبالطبع سورية لم تشهد ثورة من قريب أو بعيد، فكيف لمجتمع كان يعيش حالة من الاكتفاء الذاتي حيث يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، ويمتلك إرادته وقراره حيث يقف في وجه القوى الإمبريالية الغربية والصهيونية العالمية ويدعم المقاومة العربية، ولا يوجد عليه ولا دولار دين خارجي أن تحدث فيه ثورة، لذلك أكدنا ومنذ اللحظة الأولى أن ما يحدث في سورية مؤامرة بكلّ المقاييس، ولم يصدّقنا أحد بل اتهمنا بأننا ضدّ الثورة مع أننا كنا طليعة الثورة المصرية، ووقفنا ندعم سورية شعباً وجيشاً وقائداً حفاظاً على وحدة سورية، ودعماً للأمن القومي المصري، وحقق الشعب السوري المعجزة وصمد ضدّ كلّ قوى الشرّ في العالم عبر ما يزيد على العشر سنوات، وانتشرت القوى الإرهابية التكفيرية التي جاءت من أكثر من مئة دولة حول العالم على الأرض السورية، وعلى رغم ذلك نجح الجيش العربي السوري في مواجهتها والانتصار عليها وعدم تمكينها من إسقاط الدولة السورية وتقسيمها وتفتيتها، ولم تقف سورية وحيدة في أزمتها لكن وقف بجانبها محور المقاومة، والقوى الدولية المعادية تاريخياً للإمبراطورية الأميركية التي صنعت الإرهاب حول العالم ودعمت الجماعات الإرهابية على الأرض السورية بداية من الإخوان المسلمين مروراً بجبهة النصرة وجند الشام وصولاً إلى داعش وغيرها، ثم شكلت تحالفاً دولياً شكلياً ووهمياً لمحاربته عبر السنوات الماضية، لكنها في الواقع كانت تدعمه بالمال والسلاح طوال الوقت، هي وحلفاؤها الإقليميين من الأتراك والخليجيين.
وفي إطار الفشل في تفتيت وتقسيم سورية وبالتالي فشل المشروع الصهيوني ـ الأميركي في تفتيت وتقسيم المنطقة بأكملها، بخاصة بعد نجاح الجيش المصري في إجهاض المشروع ذاته على الأرض المصرية، أصبح من الضروري الآن إنهاء الصراع داخل الأرض السورية والقضاء بشكل نهائي على الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تمّ زرعها من قبل القائمين على المؤامرة، وإنهاء الوجود الأجنبي الأميركي والتركي، حيث بدأت مرحلة الحسم على الأرض السورية، وحتماً ستنتصر سورية، فقد انتصر وعينا على الجميع، لذلك لا بدّ أن يستمع لصوتنا كلّ من كان يشكك فى وجود مؤامرة على سورية، لأننا نؤمن بأنّ أميركا وكيانها الصهيوني هما عدونا الأول وهما المستفيد من الربيع العبري الذي يطلقون عليه زوراً وبهتاناً الربيع العربي، ونؤمن بما قاله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بأنّ سورية هي قلب العروبة النابض، وبأنّ المقاومة ولدت لتبقى، ونضيف وتنتصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.