من وحدة النضال إلى نضال الوحدة
} معن بشور
من حسن الصدف ان تنعقد الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي (أمس) عبر تطبيق زووم، والتي تضمّ أربعين شخصية عربية من معظم الأقطار من المحيط إلى الخليج، وفي هذه الأيام من تشرين الأول/ أكتوبر التي تعجّ بالمناسبات والذكريات ذات الدلالات البالغة الأهمية، والتي قد تشكّل، في حال التمعّن فيها زاداً فكرياً وسياسياً ونضالياً للأمانة العامة في معالجتها لتحديات متعددة تواجهها الأمة.
ففي السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، اجتمعت الأمة حول مصر وسورية في حرب مظفّرة كان فيها عبور تاريخي لقناة السويس، ووصول الجيش السوري الى بحيرة طبريا، وتأكدت أمتنا خلال تلك الحرب العسكرية والسياسية والنفطية، انّ العرب ما اجتمعوا مرّة إلاّ وانتصروا، وما تباعدوا إلاّ وهزموا.
في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين أول 1963 انطلقت في جنوب اليمن ثورة تحريرية تستكمل الثورة الجمهورية قبل أشهر في الشمال، ونجح الثوار في إجلاء أكبر قاعدة عسكرية بريطانية في العالم من ميناء عدن، وقامت في جنوب اليمن تجربة وحدوية تحررية أوصلت اليمن الى الوحدة.
وفي 22 تشرين الأول/ أكتوبر 1956، أقدمت السلطات الفرنسية على واحدة من أول أعمال القرصنة الجوية والإرهابية حين اختطفت طائرة مغربية كانت تقلّ عدداً من قادة الثورة الجزائرية (أحمد بن بلله، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، رابح بيطاط والصحافي مصطفى الأشرف) واقتادتهم الى معتقل فرنسي لم يخرجوا منه إلاّ بعد استقلال بلدهم بعد 6 سنوات .
في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983 وبعد عام ونيّف على مجزرة صبرا وشاتيلا التي صدّق أهلها أنهم بحماية القوات المتعددة الجنسيات بعد الغزو الصهيوني للبنان عام 1982، جرى تفجير مقر المارينز الأميركي في بيروت في رسالة لواشنطن انّ لبنان عصيّ على كلّ احتلال أو تعاون مع العدو الصهيوني.
وفي 29 تشرين الأول/ اكتوبر 1956 شنّت حكومات بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني العدوان الثلاثي على مصر للإطاحة بجمال عبد الناصر اثر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس في 26 تموز/ يوليو 1956، وشهدت فلسطين في صبيحة اليوم ذاته مجزرة صهيونية في كفر قاسم أودت بحياة 49 شهيداً ومئات الجرحى، وكان العدو يعتقد انّ أخبار العدوان الثلاثي على مصر ستغطي على مجزرته النكراء .
في اليوم نفسه، وبعد تسع سنوات، اختطفت أجهزة متعدّدة بينها الموساد «الإسرائيلي» القائد المغربي والعربي الكبير الشهيد المهدي بن بركه وعمدت على تصفيته جسدياً انتقاماً من دوره الوطني والقومي والعالمي البارز في مناهضة الاستعمار والصهيونية وعملائهما في المنطقة والعالم.
وفي الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، انطلقت الثورة التحريرية في الجزائر لتستمرّ أكثر من 8 سنوات، ولتقدّم أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، محققةً الاستقلال لبلدها بعد 131 عاماً من الاستعمار الفرنسي تخللتها ثورات وانتفاضات، وكان انتصار ثورة الجزائر على الاستعمار عام 1962، وانتصار مصر والأمة على العدوان الثلاثي عام 1956، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في الوطن العربي والقارات الثلاث (آسيا، أفريقيا، أميركا اللاتينية) وبانتهاء حقبة الاستعمار القديم ونمو حركات التحرر في العالم كله، بالتأكيد هناك مناسبات أخرى في هذه الأيام، فاتني تذكّرها، وهناك مناسبات أخرى على مدى العام، لكن الاستحضار الدائم لها هو تأكيد على فكرة تقول: «أمة بدون ذاكرة أمة بدون مستقبل».
انّ استحضار هذه المناسبات ودلالاتها، كما كلّ المناسبات الوحدوية والتحررية، امام أعضاء الأمانة العامة، هو استحضار لتحديات راهنة لعلّ أبرزها مواجهة المشروع الصهيوني المتمادي في جرائمه ومجازره حتى اليوم، واستحضار وحدة النضال العربي على طريق النضال من أجل الوحدة العربية، والتأكيد على انّ المقاومة بكلّ أشكالها وفي المقدمة المقاومة المسلّحة كانت وستبقى الطريق الأسلم والأسرع لدحر المحتلّ وتحقيق الاستقلال.
طبعاً امام الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي تحديات عديدة في ضوء التطور الكبير في أساليب القوى المعادية، لا سيّما في مجال استخدام العامل الاقتصادي والمالي لضرب السيادات الوطنية وكرامة الشعوب، وهو ما يتطلب وضع الرؤى والخطط التي تمكّن الأمة بكلّ أقطارها من مواجهة التحديات القديمة والجديدة .
ويبقى المؤتمر القومي العربي الذي يضمّ المئات من القادة والمناضلين والمثقفين والشباب العرب الذين تجمعهم أهداف المشروع النهضوي العربي الستة (الوحدة العربية، الديمقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، التجدد الحضاري)، والذين ينتمون الى مشارب فكرية وسياسية متعددة، هو التجسيد الحيّ لفكرة الأمة العربية الواحدة رغم كلّ ما واجهه المؤتمر ولا يزال من حصار سياسي ومادي وإعلامي، ومن، اتهامات وافتئات من كلّ القوى المناهضة لنهضة الأمة ووحدتها وتحرير كلّ شبر من أرضها من المحيط الى الخليج.
إنّ أعضاء المؤتمر القومي العربي، من مواقعهم الحزبية والنضالية والنقابية والثقافية والإعلامية مدعوون اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى الى إعادة الاعتبار لهدف الوحدة العربية كإطار لكلّ أهداف مشروعنا النهضوي العربي.
فالوحدة العربية، أياً كان شكلها، هي الضمانة لخروجنا فإنّ أعضاء المؤتمر القومي العربي، من مواقعهم الحزبية والنقابية والثقافية والإعلامية مدعوون اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى الى إعادة الاعتبار لهدف الوحدة العربية كإطار لكلّ أهداف مشروعنا النهضوي العربي…
فالوحدة العربية، أيّاً كان شكلها، هي الضمان لخروجنا من فشل الدولة القطرية على كلّ الصعد، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأيّاً كانت الخلفيات الفكرية التي يستند اليها النظام الحاكم فيها، قومياً كان أم إسلامياً أم يسارياً أم ليبرالياً .
كما انّ الأفول الملحوظ للقوى الاستعمارية، لا سيّما الأميركية، والارتباك المتفاقم في الكيان الصهيوني بفعل ضربات المقاومة، يفتح الباب واسعاً لترجمة إرادة الوحدة في الأمة، فكما نهاية الاستعمار القديم عام 1956، فتحت الباب لوحدة مصر وسورية، فإنّ تراجع الاستعمار الجديد يفتح الباب مرة أخرى لمشروع وحدوي جديد.