كلمة تزلزل عروشاً… لماذا الآن؟
} جمال محسن العفلق
يتعرّض لبنان اليوم لهجوم إعلامي تقوده السعودية، من خلال تصريح سابق لوزير الإعلام جورج قرداحي كان قد أطلقه قبل تعيينه وزيراً. والمعروف انّ الإعلامي قرداحي شخصية عربية دخلت كلّ البيوت وله احترام من خلال البرامج التي عمل بها، وقد استُحضر تصريحه اليوم لخلق أزمة دبلوماسية مستندها كلمة تصنف في لغة الدبلوماسية ولغة الأدب أنها مخففة او تعبير مهذب لا ينمّ عن حقد أو موقف معاد، ولكن الإعلام الخليجي والمغرّدين على وسائل التواصل، وبأمر من الجهات الرسمية تعاملوا معها وكأنها صاروخ عابر للقارات وتمّ استدعاء سفراء وتوجيه حملة منظمة عبر الذباب الالكتروني للنيل من شخص الوزير قرداحي، وهو أمر مستغرب في هذا التوقيت. والأكثر غرابه أنّ المطالب وصلت إلى حدّ طلب إقصاء الرجل من الحكومة وكأن دول الخليج لا تزال تعتبره موظفاً في إحدى مؤسساتها وترغب في فصله من عمله.
فكم هو سخيف ما وصل إليه الحال في لبنان وبسبب انبطاح البعض لأوامر السفراء واعتبار أنّ طلباتهم أوامر تطاع ولا يحق لأحد الاعتراض عليها.
فما هي موجبات الحملة الخليجية اليوم على شخص الوزير جورج قرداحي؟
هذا السؤال يحتاج للبحث بالظروف المحيطة اليوم بتلك الدول، فالحرب العبثية التي يخوضها تحالف العدوان على اليمن تعود كلّ يوم خسائر وهزائم لهذا التحالف ولا تزال المراوحة بالمكان هي سمة تلك الجيوش والطائرات التي تعمل ليل نهار لتحقيق أيّ نصر مهما كان صغيراً ولكنها للأسف لا تحقق شيئاً سوى قتل الأطفال وتهديم بيوت المدنيين.
إنّ التوقيت بالكشف عن تصريح وزير الإعلام وشنّ هذه الحملة عليه جاء بعد نشر المقابلة مع المعارض السعودي سعد الجبري الذي أدلى بتصريح لإحدى أهمّ القنوات الأميركية وقدّم تفاصيل وعناوين بغاية الخطورة تمسّ العائلة الحاكمة في السعودية وقد يكون الهدف من إثارة موضوع قرداحي اليوم هو لصرف النظر عن تلك التصريحات وفشل المملكة في تقديم مبرّرات مقنعة تنفي تلك التصريحات، وهذا الأمر استوجب خلق عاصفة دبلوماسية الهدف منها استعطاف الشارع وتقديم المملكة على أنها مستهدفة وإشغال الرأي العام، في وقت لم تردّ دول الخليج على تصريحات الإدارات الأميركية المهينة وفي كلّ مناسبة، ولا أحد ينسى ما قاله ترامب، ومن جانب آخر هناك قضية كمين الطيونة وفشل من قام به بجرّ لبنان إلى حرب أهلية، فردّ المقاومة على تلك الجريمة كان باللجوء الى القضاء ورفض الانجرار الى الشارع، وهنا كان لا بدّ للمشغل من خلق قضية ثانية يلوّح بها لابتزاز الحكومة اللبنانية، فمن غير المعقول انّ تصريحاً لإعلاميّ صدر منه قبل ان يصبح وزيراً يتمّ استحضاره اليوم لتهديد الحكومة بأكملها بل وتهديد لبنان ومعاقبته، والواضح انّ الحمل مستمرة لتعقيد الأمور في لبنان ومحاصرته اقتصادياً او تعطيل الحكومة وإضافة تجاذب سياسي جديد بين مطالبين باستقالة الوزير ومنع التحقيق مع المتهم سمير جعجع وإبقاء قضية تفجير المرفأ معلقة بحجة استقلال القضاء.
ما يتعرّض له لبنان اليوم هو حرب منظمة تقودها دول خليجيه وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، فالمطلوب اليوم وضع سلاح المقاومة على الطاولة وقبول ترسيم الحدود كما يريد الكيان الصهيوني وتحديد الشركات المستثمرة للغاز في المتوسط والتي لا يجب ان تخرج عن خط الاستثمار الخليجي «الإسرائيلي» تتمة لمشروع حيفا.
فوصف العدوان على اليمن بالحرب العبثية يحمل الكثير من اللباقة والدبلوماسية، لأنّ العدوان على اليمن تجاوز كلّ جرائم الحرب الموصوفة وتدمير بلد بكامله وحرمان شعبه من أبسط حقوقه، وهي الحصول على الدواء والغذاء، وهذه جريمة حرب، واذا كان هناك من يريد تجميل الصورة إرضاء للسعودية وغيرها على حساب دماء الأبرياء فهذا أمر يعنيه وحده ولكن لا يمكنه إلزام الآخرين به.
هذه الحملة اليوم تنذر بشيء خطير جداً وهي أننا على المدى المنظور لن يُسمح بعد اليوم لأي شخص مهما كان منصبه او عمله ان يُبدي رأيه ويخالف من يملك المال والذباب الالكتروني.
السعي السعودي اليوم لتدمير لبنان الرسمي وكأنّ لبنان بكلّ تاريخه وحضارته هو مزرعة للسفير السعودي ويجب الحجّ الى بيته وتقديم فروض الطاعة، وللأسف هذه الصورة يمثلها بعض الانتهازيين والوصوليين وتنقل أصواتهم عبر محطات الإعلان الخليجي وفق توقيت زمني محدّد لرسم صورة انتصار دبلوماسي وسياسي للمملكة أمام الرأي العام.
فالقضية لن تطوى ببساطة، خاصة أنّ الوزير جورج قرداحي كوزير إعلام لبنان يحظى بالدعم الشعبي والرسمي ومن كلّ الأحزاب والأطياف لرفع هذا الاعتداء الغير أخلاقي عليه وإفهام العالم بأسره انّ لبنان مستقلّ ولا يجوز التعامل معه كمزرعة او كتابع ينفذ الأوامر من أجل حفنة من الدولارات…