الكابوس «الإسرائيلي» في ظلّ المتغيّرات الدولية ومعادلات الردع الجديدة…
} د. ميادة إبراهيم رزوق
اختتم الاجتماع الثامن عشر لـ «نادي فالداي للحوار» أعماله، وهو مركز أبحاث روسي، في مدينة سوتشي الروسية خلال الفترة الممتدة من 18 حتى 21 أكتوبر/ تشرين الأول تحت عنوان «التغيير العالمي في القرن الحادي والعشرين»، بكلمة وحوار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قدّم فيها رؤيته وتقييمه للنظام العالمي الجديد، وموقف روسيا من الملفات الدولية الرئيسية، فأعلن أنّ الإنسانية دخلت في عهد جديد منذ ثلاثة عقود، وبدأ البحث عن أساس وتوازن جديد للنظام العالمي، مشيراً إلى أنّ الهيمنة الغربية بدأت بالتراجع أمام نظام عالمي متعدّد الأوجه، تكمن التناقضات فيه مع الغرب ليس بالحديث في المستوى الايديولوجي أو الاقتصادي، بل بالموقف من الحياة نفسها وبنيتها، بالإضافة إلى نظرته للمقاومة الإسلامية اللبنانية المتمثلة بحزب الله باعتباره قوة سياسية كبيرة في لبنان، وذلك في خطوة استباقية لزيارة رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني نفتالي بينيت إلى منتجع سوتشي الروسي، ولقائه به في 22/10/2021، وكأنه يضع الأمور في نصابها قبل المباحثات التي تتعلق بدول وقوى محور المقاومة، وما تبعها من إشكاليات في العلاقات الروسية – «الإسرائيلية» بما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ولا يمكن أن تنفصل هذه المعطيات عن زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري إلى موسكو مؤخراً في 17/10/2021 ولقائه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وعدداً من كبار المسؤولين العسكريين الروس، وتأكيد الطرفين الروسي والايراني تعميق التعاون الاستراتيجي بينهما، ونظرة روسيا إلى إيران ـ وخاصة بعد انضمامها إلى عضوية منظمة شنغهاي للتعاون ـ كقطب من أقطاب السياسة في حلف إقليمي في عالم جديد يتشكل بعد ثلاثة عقود من الهيمنة الغربية في العلاقات الدولية، مع الحفاظ على العلاقة مع (إسرائيل) وفق طابع تكتيكي، براغماتي، إنساني (هناك مليون يهودي يتحدثون اللغة الروسية في كيان الاحتلال الصهيوني)، مع الحفاظ على بعض المصالح التجارية، ووفق ما سبق يمكن تفنيد أيّ كابوس تعيش (إسرائيل) تفاصيله:
1 ـ أتت زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري إلى موسكو في اليوم الأول لانتهاء مفعول العقوبات الدولية العسكرية المفترضة على إيران بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم /2231/ لتعلن تطوير التعاون الإيراني الروسي بمجموعة من المشاريع تبدأ في المجال العسكري بالتدريبات والمناورات المشتركة وصفقات السلاح المتطور والتصنيع العسكري المشترك، وبشكل مقترن ومتناغم مع مستوى رفيع في العلاقات السياسية، وبما يحافظ بشكل مباشر على الأمن والاستقرار ومصالح كلّ من روسيا وإيران في مجال الإقليم وعلى الساحة الدولية، وبشكل أساسي الوضع في أفغانستان، والتي ستدشن في الأفق القريب بمرحلة أسمى من الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية ستتمّ ترجمتها بإكمال إنجاز مشروع «ممر الشمال ـ الجنوب» كمتمّم لمشروع الحزام والطريق الصيني، والذي يتكوّن من شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كم، ويبدأ من بومباي بالهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي مع بحر قزوين مروراً بـ إيران، ثم يتوجه إلى سان بطرسبورغ الروسية، ومنها إلى شمال أوروبا وصولاً إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبما يمنح إيران قدرات جيوسياسية وتنافسية كبيرة في مواجهة التحديات السياسية والأمنية المحيطة بها، بالإضافة إلى المنافع الاقتصادية، وبما يغيّر خارطة العالم الجغرافية، ويكرّس معادلات جديدة في النظام العالمي الجديد.
2 ـ عودة سورية إلى المشهد الإقليمي والدولي بعدما رفعت الأمانة العامة للإنتربول الدولي الحظر المفروض منذ نحو 9 أعوام على مكتبها في دمشق، وفتح معبر نصيب ـ جابر الحدودي الشريان الاقتصادي السوري ـ الأردني نحو دول الخليج العربي، وعودة إحياء خط الغاز العربي، وتحطيم أحد بنود وتفاصيل (قانون قيصر) بالعمل على إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية، بالإضافة إلى تكريس معادلات ردع ورسم خطوط اشتباك جديدة من خلال استهداف قاعدة التنف الأميركية العسكرية غير الشرعية في 20/10/2021 من قبل محور المقاومة وما حمله من رسائل تهدّد أمن الكيان الصهيوني، بعد أقلّ من أسبوع لاستهداف قصف (إسرائيلي) لمنطقة تدمر السورية عبر قاعدة التنف، وبيان غرفة عمليات حلفاء سورية بالردّ القاسي على اعتداء تدمر، والتقدم بخطوات تكتيكية في معركة إدلب واستراتيجية تحرير الشمال السوري من الاحتلالين التركي والأميركي وأدواتهم الانفصالية والإرهابية بالتعاون بين الجيش العربي السوري وحلفائه.
3 ـ في إطار ما سبق، وفي ظل تقارب إيران وعدد من الدول العربية، والفشل في كبح البرنامج النووي الإيراني، بمحاولة ربط العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني بملفات المنطقة وقدرات إيران الدفاعية بما يضمن أمن كيان الاحتلال الصهيوني، فإنّ «إسرائيل» قلقة ومربكة في مناخ مخاض التسويات، فلم تجد بتواجدها العسكري في أذربيجان، ومن خلال تحالفات اتفاقيات (ابراهام) ما تستثمره بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، أو تفتيت وتقسيم واخضاع سورية، أو إضعاف قوى وفصائل المقاومة، وهذا ما أكدته مجموعة من الصحف العبرية ومنها (إسرائيل هيوم) و(هآرتس) بأنّ «إسرائيل» أصبحت وحيدة مرة أخرى، وأنّ المنطقة تتغيّر مع انسحاب الأميركيين من أفغانستان ومغادرتهم الشرق الأوسط، وعودة سورية تدريجياً إلى الحضن العربي، إضافة لتوقيع شراكة استراتيجية بين الصين وإيران، وأن تل أبيب تمرّ بظروف صعبة، والمجتمع الدولي لا يملك الاهتمام والإرادة اللازمتين لوقف طهران، كما أن تفكيك سورية لم يعدّ فكرة واقعية، وأنّ استقرار نظام الرئيس بشار الأسد حقيقة منتهية، وبالتالي لا تستبعد الصحف (الإسرائيلية) نفاذ صبر الرئيس السوري حيال الاعتداءات (الإسرائيلية) واتخاذ إجراءات تجعل «إسرائيل» تعيد التفكير بسياسة المعركة بين الحروب في سورية.
4 ـ كسر إرادة الاحتلال الصهيوني وجعله في حالة من القلق والخوف وخاصة بعد معركة سيف القدس التي خاضها مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، وانتصار الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، حيث لم يفشل هذا الكيان الغاصب واللاشرعي في تحقيق أهدافه المقيتة، بل حوّل حلم الكيان الصهيوني «من النيل إلى الفرات» إلى كابوس الحفاظ على هذا المعسكر الإرهابي، وقد حذر اللواء إسحاق بريك مسؤول في جيش الاحتياط لكيان الاحتلال، ومنذ عدة سنوات، أنّ «(إسرائيل) لن تكون قادرة على خوض حرب متعددة الجبهات على الصعيد العسكري أو على صعيد الجبهة الداخلية»، كما أنّ بريك الذي يعتبر نفسه الأكثر اطلاعاً على تفاصيل الوضع الداخلي في جيش كيان الاحتلال سبق أن حذر مرات عدة في تقارير رسمية قدمت للكنيست، ولاحقاً في مقالات ومقابلات صحافية من أن الجيش (الإسرائيلي) يعاني ترهّلاً بشرياً وعسكرياً سيشكل عائقاً في تحقيق الانتصار في حرب متعددة الجبهات، وفي أبرز تقاريره أمام «لجنة مراقبة الدولة» في الكنيست عند نهاية العام 2018، ومع اقترابه من التقاعد، وجّه بريك انتقادات شديدة للجيش (الإسرائيلي) بحضور أعضاء اللجنة من النواب، وعدد من كبار الضباط في جيش الاحتلال، وتركزت انتقاداته حول تردّي مستوى الجيش، ووجود سلسلة من المشاكل خاصة في سلاح البر، وأنّ الجنود بعد التدريبات يهملون أسلحتهم، ولا يقومون بصيانتها، ومع انتهاء هبة الكرامة في مايو/ أيار ومعركة سيف القدس عاد بريك إلى انتقاد جيش الاحتلال وكتب في ورقة عمل في صحيفة «هآرتس» ترجمها مركز «مدار» قال فيها إنّ (إسرائيل) شهدت في الشهر المذكور سيناريو مليئاً بالرعب، تمثل في انهيار الفكرة السائدة أنه يمكن لـ (إسرائيل) الانتصار في الحروب بالاعتماد علي سلاح الجو، كما أوضح أنه في الحرب على غزة، استخدم الجيش تقريباً معظم طائراته المقاتلة التي قصفت على مدار ساعات الليل والنهار البنى التحتية العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ورغم ذلك لم تتمكن من وقف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون حتى ساعة وقف إطلاق النار، مشدّداً على أنّ مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي واصلوا إطلاق الصواريخ والقذائف كأنه لم يحدث شيء لهم، ويبدو أنهم كانوا قادرين على الاستمرار بذلك وقتاً طويلاً، كما أكد أن كيان الاحتلال يخشى من أن يدخل مواجهة عسكرية برية قد يقتل فيها عدد كبير من الجنود، لذلك يعتمد على سلاح الجو، وأضاف معلقاً على هذا بالقول «إن من يخشى أن يقتل في الحرب لا يحقق الانتصارات»، كما تحدث عن القبة الحديدية هي «ذرّ للرماد في العيون»، مع عدم تقليله من فاعليتها موضحاً أنها «ستكون دون جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد توجه إلى (إسرائيل)، الكثير منها ذات دقة إصابة عالية، وذات مدى بمئات الكيلومترات، وقادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن مئات الكيلوغرامات، ويلخص بريك الوضع بالقول «هذا الواقع خلق معادلة تعجز فيها (إسرائيل) عن إيجاد ردّ فعل على الصواريخ والقذائف، ولا تتوفر عندها قدرة برية جاهزة لخوض الحرب المقبلة، كما كتب بريك في يونيو/ حزيران الماضي في موقع» ميدا» أن حرب غزة الأخيرة مجرد نزهة مقارنة لحرب يشارك فيها حزب الله وتنظيمات أخرى من سورية والعراق وحتى اليمن تتضمّن إطلاق آلاف الصواريخ على (إسرائيل) بشكل يومي، محمّلاً المسؤولية للمستويين الأمني والسياسي، وخلص بريك أنّ «هذه الحرب متعددة الجبهات ستكون مأساوية بشكل لا يمكن تخيّله، فإضافة إلى عشرات القتلى سيشمل الدمار البنى التحتية الاستراتيجية الكهرباء والماء والغاز والوقود وقواعد سلاح الجو والبنى التحتية والاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات الحكم وغيرها»…
ونقلت «هآرتس» عن مسؤولين (إسرائيليين) في وزارتي الأمن والصحة قولهم «إنّ الوزارتين لن تتمكنا من معالجة عدد كبير من المصابين في أيّ مواجهة عسكرية مقبلة متعددة الجبهات، خاصة في ظلّ تطوير الأعداء الوسائل القتالية لديهم، فيما لم يكيّف الجيش نفسه لهذه التطورات».
وفي الخلاصة يعاني كيان الاحتلال الصهيوني من مأزق تاريخي وتهديد وجودي في ظلّ أزمات وصراعات وانقسامات سياسية واجتماعية ودينية وتهديدات داخلية حقيقية باتت تهدد وحدة وتماسك كيان الاحتلال باعتراف كبار الخبراء (الإسرائيليين) من غياب القيادة الحكيمة والقوية إلى ضعف الجيش وتراجع هيبته واخفاقاته المتكررة، إلى تراجع تأييد الرأي العالمي للروايات التلمودية، إلى تنامي قدرات وإمكانيات دول وقوى محور المقاومة وقواعد الاشتباك التي أرساها، وخاصة في ما بعد معركتي إدلب في سورية ومأرب في اليمن، وتكريس معادلات التحالفات الإقليمية الجديدة في عالم متعدد الأوجه.
إنه كابوس «إسرائيلي» حقيقي…