السّعودية وقرداحي أوقفوا هذه المهزلة… فالمسامح كريم!
جاسر الدخيل
المسامح كريم… عبارة لطالما ردّدها الإعلامي العربي جورج قرداحي على مسامع متابعيه من ملايين العرب وعلى امتداد تواجدهم، لكنّه بالأمس لم يقلها، ولم يطلب الصّفح عن خطأ كبير ارتكبه حين وصف حربنا لتحرير شعب اليمن بالعبثيّة، تلك الحرب التي مضى على اشتعالها أكثر من ستّ سنوات، دفعنا فيها من خيرة شبابنا وأفضل رجالات جيشنا الوطني، ومن أمننا وصورتنا العالمية ما لا نستطيع ترميمه أو معالجته.
الحرب في اليمن كانت ضرورية لاستئصال الحوثيين الذين يهدّدون جنوب المملكة، هذا أمر فهمناه وأيّدناه، وسرنا به نهلّل للأبطال الذين غادروا منازلهم وأهلهم لأجل الحفاظ على أمننا كلّنا، وكانت الحرب ضرورية لأجل الحفاظ على الشرعية اليمنية الصديقة لنا، ومنع استبدالها بقوة معادية ستهدّدنا على الدوام، والحرب ضرورية لأنّها موقف عربي موحّد ضدّ التّهديدات الإقليمية لوطنِنا العربي الكبير.
لكن ماذا حصدنا؟
لم نستأصل الحوثيين ولم يكن هذا بالأصل هدفاً ممكناً، بل على العكس قويَت شوكتهم وباتوا القوّة الأكبر في اليمن التي تسيطر على أغلب المحافظات وعلى رغم الحصار الذي ننفّذه ضدّهم، يلقون تأييداً واسعاً من السكّان الذين يقعون تحت سيطرتهم وكان واضحاً في التّظاهرات الشعبيّة التي يدّعون لها حجم الحضور المؤيد لهم.
أمّا تهديدهم لجنوب المملكة فلم يتراجعوا متراً واحداً عن حدودنا، لا بل توغّلوا أكثر، وطائراتهم المسيّرة تصل إلى عمق أمنِنا وصواريخهم تصيب ما تريده من أهداف على أراضي المملكة.
نعم حافظنا على الشرعيّة اليمنيّة، وصار عبد ربه منصور هادي ضيفاً دائماً على المملكة، صورة صامتة لا تأتي بحركة، وقوّاته تنتقل من هزيمة إلى أخرى، إذاً الشرعيّة التي حميناها هي صورة فقط، صورة هشّة لم تفدنا بشيء.
وبما أنّنا لم نستطع حتّى الآن تحقيق هذين الهدفين، فحكماً لم نستطع منع التهديد الإقليمي المتأتّي عن فوز الحوثيين بالحرب.
لما علينا أن نختبئ خلف أصابعنا؟ إنّها فعلاً حرب عبثية كما قال الإعلامي اللّبناني، لم تأتِ لنا بغير الويلات ولم نحصد منها غير الخيبة والهزيمة، المئات من رجالنا فقدناهم هناك من السعوديين والإماراتيين والبحرانيين ومن سائر دول التّحالف العربي، وصورة جنودنا التي تكرّر عرضها قنوات اليمن الموالية للحوثي هي أمر مفجع، ومشاهد الدّمار والقتلى من اليمنيين التي وصلت إلى كلّ العالم حوّلت صورتنا من صنّاع للأمل إلى صنّاع الموت والفجائع.
إذاً لنعترف أنّها حرب عبثية ولنصمت على ما نحن عليه، بانتظار تحقيق التّسوية المشرّفة التي تسعى إليها قيادة المملكة مع الوسطاء الدوليين.
لكن ثمّة أسئلة لا بدّ من الإجابة عليها؟
من هو الذي تذاكى وأمر بإطلاق تلك الحملة على القرداحي، بالتالي على لبنان، طالباً منه الاعتذار ومن ثمّ فجّر الأزمة الدبلوماسية مع لبنان؟
هل أدرك ذلك الآمر بإطلاق الحملة أنّ ما فعله كان عبثياً، وبدل أن يخدم في تحسين صورة المملكة والتّحالف العربي أدّى إلى زيادة ضعضعتها وتهشيمها!
ألم ينتبه أنّه لو مرّ تصريح القرداحي في محطة “الجزيرة” القطرية من دون أيّ ردّ فعل منّا، لما سمع أحد به، لكن حملتنا هي من حوّل تصريحه إلى مسامع كلّ العالم، وصرنا مطالبين بأن نبرّر أفعالنا في اليمن.
وبدل أن نذهب إلى القرداحي ولبنان لإنزال اللّعنات عليه، لماذا لم نتوجّه إلى دولة قطر الشقيقة التي استضافته على محطّتها الشريرة “الجزيرة” وتوجّهت إليه بالأسئلة التي يتوقّع لها هذه الإجابات، ثمّ أنّها لم تقتطع هذا المقطع أو توقف نشر كلّ المقابلة، ألا يجدر بنا أن نسأل قطر أوّلاً: لماذا فعلتم ذلك؟ ثمّ نطالبها بالاعتذار ومحاسبة من أجرى المقابلة ونشرها ولا أستبعد أنّها نالت مباركة أعلى رجالاتها المحبّين لنا ولقيادتنا في المملكة وفي الإمارات على حدّ سواء.
قبل أن نحاسب لبنان ووزيره القرداحي علينا أن نبدأ من هنا من محاسبة ذلك الذي افتعل المشكلة، وعلينا أن نطالب قطر بتقديم توضيحات لما اقترفته مرّة أخرى بحقّنا، ذلك الحدّ الأدنى الذي علينا أن نبدأ منه.
المسامح كريم، لم يعد ينفع هذا الشّعار الذي رفعناه يوماً ما، وتلك المكرمة التي تعودّنا عليها دائماً قبل أن ينطقها القرداحي وبعده صارت من الماضي، لماذا، هل ضاقت علينا الدنيا ونحن المملكة التي لمجدها ومكرماتها. وكلّ صباح ننشد لوطننا:
سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاء
مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء
وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَرْ
يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ
لنعترف هذه المرّة أنّنا خضعنا للذّباب الإلكتروني وجرّتنا حفنة من المغرّدين على مواقع التّواصل الاجتماعي إلى حيث يريدون، وبعض من قيادة المملكة بدوا كالبلهاء، يلهون مع خبل أولاد “تويتر”، ويتركون السياسة الخارجية للمملكة لذلك الأحمق البوخاري الذي أفضل ما فعلناه أنّنا عدنا به من بيروت إلى الرّياض، فهو غير جدير بأن يكون حارساً لبوابة سفارة وليس سفيراً.
من موقع الحكمة التي تعوّدنا عليها من قيادتنا لنوقف هذه المهزلة، ولنرى حقيقة من يلعب بنا، ولننظر حولنا عن قرب من يريد أن يمزّقنا بمناشيره، وأن يُحيل أخضرنا أسود.