أسعد أبو خليل… أخطأت والتراجع عن الخطأ فضيلة رشيد كرامي وكمال جنبلاط وموسى الصدر
من خارج سياق المقال، وبما لا يتصل بإثبات أي فكرة من الأفكار الواردة فيه والمخصص لمعالجتها، أورد الكاتب أسعد أبو خليل نصاً في مقالته في الزميلة “الأخبار” أمس ما يلي: “عندما تقرأ ما أُفرجَ عنه من وثائق أميركيّة يُدهشك مدى التعاون والودّ الذي يصيب من يلتقي بالمسؤولين الأميركيّين من زعماء لبنانيّين، بما فيهم كمال جنبلاط ورشيد كرامي وموسى الصدر”. وبمعزل عن مناقشة المقال وما ورد فيه تأييداً أو اختلافاً، جاء هذا النص من دون أي مناقشة لتاريخ ثلاثة زعماء لبنانيين كبار، إبراماً لحكم متضمن في الإيحاء بضعفهم وتبعيتهم للأميركي، نيلاً من وطنيتهم وشيطنة لتاريخ كل منهم، وهذا ما لا يليق بأي باحث بغض النظر عن رأينا بالاستنتاج، فبدا تهريب هذا النص الذي زج به في المقال، خفة مهنية واستخفافاً بدقة المسألة التي يتعاطى بها، وحساسية ما يثيره من رمي الكلام على عواهنه في المسائل الكبيرة، لمجرد أن الوثائق الأميركية أدهشت قارئها، وهي قد أدهشت من قبل من قرأوا شيطنة مشابهة لجمال عبد الناصر، تحت شعار مشابه الود والتعاون في مرحلة إنذار أيزنهاور خلال العدوان الثلاثي على مصر، وجمال عبد الناصر هو الذي استدعت هزيمته من واشنطن تجنيد حليفيها الرئيسيين في المنطقة، النظام السعودي وكيان الاحتلال، في أكبر حربين دعمتهما واشنطن مباشرة لإلحاق الهزيمة به، على الأقل هذا ما تقوله الوثائق الأميركية أيضاً.
رشيد كرامي وكمال جنبلاط تاريخ مليء بالمواقف والمراحل والسياسات، فهل تقبل شيطنتهما بهذه الخفة، الدهشة من الوثائق الأميركية، وأين مكانة الدهشة من وثائق الوقائع التي لا تقبل التكذيب، أليس كمال جنبلاط رمز المقاومة الشعبية والسياسية في لبنان لحلف بغداد، ما استدعى إسقاطه في الانتخابات عام 1957 بقرار أميركي كما تقول الوثائق، التي انتهت بحرب عام 1958 المتخذ بها قرار أميركي كما تقول الوثائق أيضاً، والتي جلب الأميركيون خلالها الأسطول السادس إلى بيروت بقرار أميركي من دون الحاجة للوثائق، تحت غطاء طلب من الرئيس كميل شمعون، وأين نذهب بتاريخ الرئيس رشيد كرامي الذي كان أبرز زعماء جبهة الخلاص الوطني التي خاضت معركة إسقاط اتفاق 17 أيار وتلك المواجهة التي أطاحت بتوقيع الوزير الأميركي جورج شولتز عليه، كما تصفه الوثائق الأميركية أيضاً، والذي سقط شهيداً بأبشع عملية اغتيال بقرار أميركي، كما تقول الوثائق أيضاً وأيضاً.
ولأن هذا غيض من فيض يمكن إيراده إن كان المطلوب قراءة تجربة هؤلاء الزعماء الكبار وتقييمها، فماذا تقول وثائق الحياة التي لا تحتمل التأويل عن الإمام السيد موسى الصدر، أليس هو مؤسس أول مقاومة في التاريخ قبل أن يقع الاحتلال، وقائد هذه المقاومة تحت عنوان تسليح الشعب للدفاع عن بلداته وقراه لأن الدولة مقصرة والجيش عاجز، وصاحب شعار ليسوا أقوى من أميركا ولسنا أضعف من فيتنام، وصاحب معادلة «إسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام»، أليس هو الزعيم الأول الذي بنى قوة عسكرية منظمة علناً، بينما كان ينكر الآخرون تسلحهم، لأنهم كانوا يستعدون للحرب الأهلية، بينما كان يجاهر بالسلاح زينة للرجال وينظم ويدرب ويسلح، لكنه رفض الانخراط في الحرب الأهلية، فهل كان مندهشاً بالأميركي يساند مشروع إنشاء المقاومة ويرفض مشروع الحرب الأهلية؟
لأنه غيض من فيض، لا غضاضة عند اكتشاف الخطأ من التراجع، فالكلام المنشور كان لزوم ما لا يلزم، بقياس ما كان موضوعه، والكلام المنشور يناقض كل ما تقوله الوقائع والوثائق، وإساءة كبرى لا يمكن إيرادها بهذه الخفة تحت شعار الدهشة، ولو كان السياق مناقشة تاريخية موثقة لسيرة هؤلاء الزعماء، وورد في سياق يرسم اللقاء والخلاف مع سياسات الدول ومن ضمنها السياسة الأميركية، لناقشنا، بمثل ما نناقش الذين يختصرون تاريخ جمال عبد الناصر بأنه عرض مشروع السد العالي أولاً على الأميركيين، ويتناسون أنه تعاقد مع السوفيات لتنفيذه، وأن واشنطن لم تخف في وثائقها أيضاً أنها حاولت احتواءه لكنها فشلت أمام وطنيته ومبدئيته وثباته، وهو ما قد نقبل مناقشته في سيرة قادة يشهد تاريخهم على وطنيتهم ومبدئيتهم وثباتهم.
الاعتذار ليس عيباً.