لا تستعجلوا البحث عن حل
ناصر قنديل
– يعيش بعض المعنيين في الدولة تحت هاجس أولوية السعي لحل الأزمة المتفاقمة مع السعودية، وهي أزمة مزمنة تتصاعد منذ عام 2006 وفشل حرب تموز، وقد عبرت عن وجودها برعاية الملك السعودي الراحل لإجراءات حكومة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة ضد المقاومة، ولاحقاً بوضع فيتو على مشاركة حزب الله في حكومة الرئيس تمام سلام الذي لم يرفع إلا لمنع تولي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة التي يتمثل فيها حزب الله وحلفاؤه بصورة وازنة صلاحيات رئيس الجمهورية مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، ثم تجددت خلال فترة الحرب على سورية، وتصاعدت بإكراه الرئيس سعد الحريري على الاستقالة وتفجيرها بوجه حزب الله وهو محتجز في السعودية، وما تلاها من تعطيل قيام حكومة وصولاً إلى الأزمة التي أطيح خلالها بالوزير شربل وهبة، وانتهاء بالأزمة الراهنة، والسؤال الذي يجب على المعنيين امتلاك جواب عليه هو هل هناك ظرف مؤات لحل الأزمة، قبل البحث عن كلفة الحل وشروطه وبلورة مبادرات لبلوغه؟
– الهدف السعودي الأعلى كان إطاحة الحكومة وربما إطاحة الانتخابات وصولاً للقول إن لا قيام لدولة في لبنان من دون شراكة سعودية، والسعي لتحصيل أعلى شروط ممكنة للتسوية التي ستعيد تركيب المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية أسوة بما جرى في الطائف، خصوصاً أن السعودية قد خسرت وهي تخسر نفوذها في أغلب دول المنطقة، فهي خسرت معركتها مع قطر بعد قطيعة وحصار لأربع سنوات، واضطرت للتراجع من دون تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها كشروط لإنهاء الأزمة، وهي تخسر بصورة قاسية أخطر وأكبر حروبها من خلال المسار الذي تأخذه حرب اليمن، وسقوط مهابتها في هذه الحرب، وتحولها إلى عبء غير قابل للاستمرار ولا للتراجع، وفي سورية والعراق خرجت خالية الوفاض، وكل تقدم في الأوضاع في هذين البلدين، مع الانسحاب الأميركي الآتي عاجلاً أم آجلاً سيتراجع ما تبقى من نفوذ سعودي، ويبدو لبنان التعويض الوحيد الذي تتطلع السعودية لاستعادة دورها فيه، كشرط للمشاركة في تسويات الأزمات التي ستطرح على الطاولة في نهاية المطاف.
– الحد الأدنى للأهداف السعودية هو ربط النزاع، وإبقاء الأزمة قائمة من دون فتح الباب لأي حلول حتى تنعقد طاولات التفاوض الإقليمية والدولية لصياغة تسويات كبرى في المنطقة، وهذا يعني أن كل ما يمكن أن تحصل عليه السعودية من تنازلات لبنانية ستهضمه وتحتويه لتأكيد موقعها المرجعي، والقول إنه غير كاف، ولأن نصف النجاح هو في التوقيت يبدو السعي اللبناني العاقل في التركيز على تحصين الحكومة، واستثمار النتائج التي أظهرتها حركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقاءاته خلال قمة المناخ في غلاسكو، والتي تشكل من خلالها عنوان واحد هو رفض الإطاحة بالحكومة، والإجماع على عدم تبني الموقف السعودي، وبالمقابل عدم الحماسة للعب دور الوساطة أو طرح مبادرات للحل، والاكتفاء بوعود السعي لمنع المزيد من الإجراءات العدائية السعودية ضد لبنان.
– ربط النزاع هو عنوان المرحلة بالنسبة للسعودية، والتساكن الإيجابي يجب أن يكون عنوان المرحلة بالنسبة للبنان، والتساكن الإيجابي يعني المضي قدماً في برامج تخفيف المعاناة، وفتح الأسواق التي يمكن أن تستوعب الصادرات اللبنانية التي أقفلت بوجهها أسواق السعودية، وخصوصاً الأسواق القريبة في سورية والعراق، بالنسبة للصادرات الزراعية، ودول أوروبا الشرقية بالنسبة للصادرات الصناعية، وبالتوازي المضي في تأكيد الاستعداد لأي حوار هادف لحل هذه الأزمة من موقع الأخوة والاحترام المتبادل، حيث قد يكون طلب اجتماع لوزراء الخارجية العرب تحت سقف الجامعة العربية هدفاً معلناً متوسط المدى تعتمده الحكومة اللبنانية، وتقوم بتسويقه عبر حركة موفدين دبلوماسيين إلى عواصم المنطقة، وترك الأمور تنضج، عملاً بالمثل القائل من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.