خطاب مكرّر…
سعادة مصطفى أرشيد*
مثلت أزمة المناخ وارتفاع معدلات الحرارة ثم الاحتباس الحراري على كوكبنا في العقود الأخيرة هاجساً عالمياً، حيث بدأ طرح السؤال المناخي منذ عام 1995، وعقدت لقاءات كان أهمها في كيوتو– اليابان، حيث تأكد الحضور من أن الارتفاع في درجات الحرارة ليس بسبب دورة مناخية طبيعية، وإنما بسبب عوامل من صنع الإنسان وهي درجات الحرارة المرشحة للارتفاع، هذا ما دعا هيئة الأمم المتحدة في عام 2015، إلى تنظيم قمة دورية تعنى بشؤون المناخ والتي صدر عنها إعلان باريس، الذي دعا بشكل عاجل للعمل على احتواء الاحتراز العالمي، وذلك بأن تخفض الدول من انبعاثاتها بشكل يعمل على تثبيت تركيز الكربون بالجو عند مستوى يسمح للنظام البيئي بأن يتكيّف معه ويقوم بامتصاص أكسيدات الكربون وغيرها من العناصر الملوّثة، وبحسب التقارير العلمية المحكمة بما فيها تلك الصادرة عن المنظمة الأممية، فإنّ العقود الثلاثة المقبلة ستشهد تغيّرات خطيرة على مستويات المناخ ومعدلات الأمطار وحتى الجغرافية، إذ تفيد هذه التقارير، أنّ أنهاراً ستختفي وتنضب مياهها فتصبح غير ذات زرع أو بشر، وتهدّد بهجرة عشرات الملايين الذين لا يستطيعون العيش من دون ماء، وأنّ عواصم ومدناً مزدهرة وزاخرة بالحياة ستموت وتهجر وتغزوها الصحارى، في حين أنّ مدناً أخرى ستغزوها مياه البحر، ومنها البندقية ويافا (تل أبيب) والإسكندرية وشنغهاي وميامي غيرها، في حين أنّ جزراً ستغرق وتختفي تحت سطح مياه البحار والمحيطات ومنها جزر المالديف، السبب هو ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي وتحوّلها إلى ماء يرفع مستوى سطح البحر .
أما السبب في ما يحصل، فهو النشاط الصناعي للدول الغنية، وتحديداً مجموعة العشرين التي تضمّ الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والصين والهند وروسيا وبعض الدول الأخرى المنتجة للوقود الأحفوري، وهذه الدول بحسب التقارير الأممية مسؤولة عن 80 في المئة من الانبعاثات المسبّبة لأزمة المناخ، وذلك بسبب ارتفاع مستويات استهلاكها للفحم والبترول الرخيص، وما ينتج من ذلك من حرارة وانبعاثات غازية لا تستطيع الغابات المتناقصة بسبب سياسات قطع الأشجار الجائرة وحرائق الغابات أن تعيد تكريرها .
هكذا فالعالم يموت، والقاتل هو المسبّب لهذا الاحترار، ولكن النتيجة هي أنّ الجميع مهدّد، بغضّ النظر عن قوميته أو لونه أو عرقه، وفشلت الإنسانية في إيقاف هذه الأزمة، على رغم جديتها وضرورتها، وهذا ما يمكن ملاحظته في قمة الدورية غلاسكو منذ أيام بحضور 120 رئيس دولة، ألقى قادة الدول بخطبهم المعتادة مطلقين ذات التحذيرات التي سبق أن أطلقوها في القمم السابقة حول النهاية القريبة للعالم، وعن يوم القيامة الذي أزفّ موعده، هذا إن لم تتمّ معالجة قضايا المناخ .
بوريس جونسون كرر عبارات وردت أعلاه، ووعد بأنّ بلاده في عام 2030 لن يكون بها مركبات تعمل على الوقود ولن يكون في بلاده أي استعمال للفحم الحجري، فيما اعترضت دول أخرى مثل الهند التي ترى أنها لن تستطيع تنفيذ ذلك قبل عام 2070. نهاية الأمر أنّ المسؤول عن الأزمة يجب أن يكون المسؤول عن إيجاد الحلول لها، وإنْ كنا جميعنا في ذات القارب المشارف على الغرق، فهل يعمل هذا الإنسان الوحش الصناعي على حلها، أم أنّ شهيته للإثراء، وأنماط عيشة واستهلاكه لا تستطيع أن تستجيب لهذه القضية الملحة والخطيرة؟
في فلسطين الحزينة، يموت البحر الميت، وقد أصبح موعد جفافه النهائي قريباً، كما حذر رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في غلاسكو، وبالطبع المسؤول عن ذلك هو من سرق مياه بحيرة طبريا ونهر الأردن وحوّلهما إلى مزارع النقب الصحراوية، فيما لا يجد الفلسطيني والأردني من عمل أكثر من الشكوى الخجولة، أو البحث عن مشاريع لإعادة إحياء البحر الميت مثل قناة البحرين، ولكن ليس على حساب (الإسرائيلي)، وفوق ذلك فالوضع البيئي والمناخي لا يبشر بالخير، ولعلّ من مؤشراته معدلات الإصابة بالسرطان المرتفعة جداً، والتي تفوق أيّ مكان في العالم، (فالإسرائيلي) أخذ بنقل قمامته إلى الضفة الغربية بما فيها النفايات الكيماوية والفضلات الصناعية كتلك الصادرة عن مصانع جيشوري قرب طولكرم، كما حظر إنشاء كسارات (متارب) في فلسطين المحتلة (إسرائيل)، مقابل السماح بإنشائها في الضفة الغربية، ليتمّ توريد معظم إنتاجها إليه، فهم يرون أنفسهم شعباً متقدماً عليه أن يحافظ على بيئة نظيفة وذلك على حساب شعب لا يستحق ذلك .
أخيراً، لما كانت البيئة وكان المناخ لا يعترفان بحدود أو فوارق، فإنّ نتائج الكارثة ستكون على الجميع، ولا يفيد ترحيل الأزمة من مكان لآخر، ولكن أزمات فلسطين حتى المناخية والبيئية منها، لا تزال تعترف بالحدود والفوارق، بين شعب يزعم أنه مختار، وشعب أصيل تكالبت عليه المصالح الأجنبية، مع المصالح المحلية الضيقة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ