خلاف أميركي فرنسي ـ سعودي حيال لبنان
} روزانا رمّال
الفراغ “تحت السيطرة “… هو واقع الحال القادر على وصف المشهد في الساحة اللبنانية منذ تفاقم أزمة المحروقات وتحرك الشارع الذي كان من المفترض أنه مقبل على نحو تصعيدي لم تشهد له الساحة اللبنانية مثيلاً، وإذ به يتراجع بشكل لافت في لحظة انهيار مالي واقتصادي لم تشهد لها الساحة مثيلاً.
الأسئلة كثيرة حول ضابط إيقاع “مجهول” – “ معلوم” وعن غايات هذا الخيار رغم أن الحالة الاقتصادية الكارثية مناسبة للجميع لفرض مشهد تغييري شعبي وعن جهة ترغب بإعادة الاستقرار الأمني إلى البلاد ورفعه فوق أي اعتبار رغم العبث المفتعل منذ أحداث خلدة وشويا ومؤخراً الطيونة.
لطالما أكدت الأحداث في لبنان أن أي تصعيد أمني في شارع من الشوارع يحتاج لدفع خارجي، فأي جهة لبنانية كانت عاجزة على خوض خيار الشارع وهي اللعبة الأكثر حساسية من دون ضوء أخضر خارجي ومنذ لحظة تفعيل هذا الخيار مؤخراً، والذي لا يبدو أنه قد صرف النظر عنه وصلت الرسالة الساخنة بوضع الساحة اللبنانية في عين الكباش الإقليمي ومفاوضات الحسم.
الأشهر التي تفصل لبنان والمنطقة عن السنة الجديدة هي الأدق والأكثر قدرة على الإجابة على أجوبة الفراغ “المضبوط”، وفي البلاد أجواء وتحضيرات لساحة انتخابية تفضل القوى السياسية جميعها خوضها بمشهد ذات معالم “أوضح “ لئلا تكون العملية الانتخابية أحد أبرز أطباق التحدي على طاولات التفاوض الإقليمية والدولية، لذا فإن الحديث عن تأجيلها بضعة أشهر صار وارداً جداً.
وفي هذا الوقت، بدت تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي مؤشراً لخروج الأزمة التي حاولت بعض القوى إخفاءها إلى السطح، فالخلاف السعودي حيال إدارة العملية السياسية في لبنان قديماً ويكاد يكون من عمر أكثرية نيابية سميت بأكثرية “ قاسم سليماني”، وهي اللحظة التي صارت فيها الرياض على ثقة أن أي مسعى من الحريري للاستحواذ على المشهد صارت ضعيفة الحظوظ وبعد أن وجد الرجل في التسوية الرئاسية خياراً وحيداً فوقع الشرخ بين الحريري والمملكة وبدأ الغياب التدريجي المفتعل للرياض عن المشهد “جهاراً” .
في تلك اللحظة بدت خيارات الحريري مريبة بالنسبة للشارع السني، لكن مع تقدم الأحداث تبين أن الاخير لم يكن يتصرف خارج السياق المطلوب غربياً وتحديداً أميركياً فالرجل المدعوم من واشنطن وفرنسا بداية عهد الرئيس ميشال عون بالتوزاي مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض بدأ سحب البساط من تحته مع تفعيل العلاقة تدريجاً والتقارب التاريخي بين إدارة ترامب والرياض الذي لم تشهد له المنطقة مثيلاً مع بزوغ نجم الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ومديراً كاملاً للمشهد السعودي.
الارتباك في الساحة “السنية” الذي استمر ما بعد عودة الحريري من أزمة” الريتز” ترجم محاولات للتخلص من رصيد الحريري الشعبي وذلك عبر عزل سعودي – ومحلي من أصدقاء وحلفاء الماضي له في الوقت الذي لم تثبت الساحة هذه تحديداً حتى اللحظة ولادة حيثية سنية جديدة ولم تضع المملكة زخماً ملحوظاً بهذا الاتجاه بعد سلسلة خيبات أمل متتالية من حلفائها “السنة” الذين تعتبر أن أغلبيتهم إما خذلوها أو فشلوا في تمثيل مصالحها ومصالح الطائفة السنية في البلاد.
الرياض التي تبدوغير مستعدة للكشف عن خطوات “ناقصة” في الساحة اللبنانية تدرك تماماً السيطرة الأميركية على المشهد والرغبة الفرنسية في اقتناص دور وازن في لبنان، وما الأزمة مع قرداحي إلا فرصة جديدة للتأكيد على ذلك وفيما تبدو الأجواء متشنجة حتى اللحظة بدا الانزعاج السعودي من دعوة القائم بالأعمال الأميركي إلى خلية الأزمة المفترض بحثها بموضوع استقالة قرداحي وتلبية الأخير لها أكثر مشروعية لأن مجرد تلبية الأميركيين لهذه الدعوة ما هي إلا إعلان صريح بوجه الرياض أن حزب الله لا يهيمن على الحكومة كما تشي التصريحات السعودية.
إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والذي لم يلتق حتى هذه اللحظة بالأمير محمد بن سلمان واضحة الاهتمام بالساحة اللبنانية من دون أي توكيل لحليف إقليمي كان أو دولي حتى اللحظة، ولا مجال لتفويض سعودي أو فرنسي مباشر قبل أن تنضج التسويات الأكبر بالمنطقة، لهذا تعثرت أغلب المبادرات الفرنسية مع أن الاعتقاد ساد بعد رحيل إدارة ترامب بأن بايدن سيعطي فرنسا أدواراً أكبر في لبنان إلا أن ذلك لم يحصل بل على العكس ساءت العلاقة إبان أزمة الغواصات بين البلدين قبل أن تعود المياه إلى مجاريها في قمة العشرين – روما.
مصدر متابع للأزمة يتحدث لـ”البناء” عن شيء لافت يحدث اليوم وهو تبادل المواقع بين السعودية وفرنسا في مرجعية الزعامات اللبنانية الطائفية، فبعدما كانت فرنسا مرجعية الزعامات المسيحية والسعودية مرجعية الزعامات السنيةْ، أصبحت فرنسا مرجعية الزعامات السنية “سعد الحريري ونجيب ميقاتي” وأصبحت السعودية مرجعية الزعامات المسيحية القوات ومسيحي 14 آذار سابقاً”، وإذا كان التزاحم الفرنسي- السعودي اليوم على حجز دور في لبنان فالأميركي سيعطيه لجهة واحدة فقط، وها نحن نعود لعشية الطائف بشكل ودور جديد للمشهد قد لا يكون بعيداً من معادلة (سين – سين) جديدة بمباركة أميركية وبرغبة من الجهة الإيرانية على أن تمثل سوريا وحلفاءها مصالحها في لبنان خصوصاً أن التفاهم النووي على ما أعلنت واشنطن ربما يكون سريعاً هذه المرة إذا أبدت إيران جديتها”.
حرب الحلفاء وفرض معادلات “أمر واقع” جديدة على الأرض والتي تستبق التفاهمات الدولية تفتح كل الاحتمالات في لبنان على مشارف معارك مصيرية تدور في مأرب اليمنية وحوار سعودي – إيراني مستمر.