فلسطين ميزان الهوية…
} خضر رسلان
إن حبّ الوطن فطْرة في داخل كلّ إنسان ينبض به قلبه، ويجري به دمه، حتى ولو تعرّض فيه للأذى والبلاء، وإنْ غادر الإنسان وطنه لضرورة يبقى الشوق والحنين إليه ساكناً في نفسه ووجدانه، قال الغزالي: «والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفراً مستوحشاً، وحب الوطن غريزةٌ متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص».
اما الانتماء، فيُقصد به الانسجام والارتباط، والإيمان مع المنتمي إليه وبه، وعندما يفتقد الانتماء لذلك يصبح ذا خلل، وبهذا تسقط صفة الانتماء، وهذا هو المفهوم البسيط… وللإجابة عن سؤال: ما هو الانتماء؟ نقول هو النزعة التي تدفع المرء للدخول في إطار اجتماعي فكري معيّن بما يقتضيه هذا من التوقف على معايير وقواعد هذا الإطار ونصرته والدفاع عنه.
فالانتماء ليس مصطلحاً يُستخدم في الأغراض السياسية فقط، ولكنه مفهوم فلسفي متحرّك، وإن انتماء الإنسان إلى وطنه يشمل كل الأمور التي تخصّه، فالوطن ليس حيّزاً جغرافياً نعيش فيه فحسب، بل أكبر من ذلك بكثير، وكلمة وطن أشمل وأعمّ من ذلك بكثير؛ فالوطن هو تاريخ المرء، وجذوره، وأسلافه، ومخزونه الثقافي، وكلّ ما يمتّ إليه بصلة، فالوطن جزءٌ من كيان الأمة ومحبتها والولاء لها والانتماء إليها. وإن مفاهيم الانتماء والولاء للوطن يكتسبها الإنسان من تلقاء ذاته، ولا تملى عليه، ومفهوم الانتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض، وهو مكتسب بحكم الواقع، حيث ينمو ويترعرع وينشأ منذ نعومة أظافره ويرتبط بالوطن من خلال مؤسسات المجتمع وما يحيط به من عوامل لا سيّما الطبيعية منها.
ان الانتماء للوطن والولاء له هو من القيم السامية النبيلة وحاجة ضرورية وهامّة تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه، وتقوية شعوره بالانتماء للوطن وتوجيهه توجيهاً يجعله يفتخر بالانتماء ويتفانى في حبّ وطنه ويضحي من أجله. وقد تجلت هذه القيم الوطنية السامية بشكل واضح في مواجهة الة القتل الصهيوني والتكفيري وعكست بالتالي هذا الانتماء الوطني الفطري لدى معظم ابناء الوطن.
ليلة 15 مايو/ أيار 1948، كانت خطوات أخطر مؤامرة في التاريخ الإنساني قد بدأت بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي استغرق التصويت عليه ثلاث دقائق فقط في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 داخل القاعة الرئيسية للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك…
في سابقة أممية تمنح عصابات مستوطنين من المهاجرين اليهود غالبية أراضي فلسطين (55 %)… وتسجل ذاكرة فلسطين، أول خطوة على طريق التآمر لتدشين نكبة اغتصاب فلسطين.
ومن ذاك التاريخ أصبحت فلسطين هي البوصلة والعنوان وميزان تقاس عليه كلّ الأنظمة والحركات والأحزاب وضمن هذا السياق ولو وضعنا في الميزان سلوك المقاومة في لبنان وخيارها المقاوم الذي يعبّر عن الأصالة العربية والتي رغم كلّ المغريات التي تتضمّن النفوذ والسلطة والاستثمارات واليد العليا على سائر أقرانها بقيت ملتزمة بالخيارات وثوابت القضية العربية المركزية والتي هي تحرير فلسطين وعاصمتها القدس.
ومن سخرية القدر ان العديد من الحركات والشخصيات اللبنانية والتي طالما كانت ملتزمة ومتعاونة مع الكيان الصهيوني تجاهر في الوقت الحالي بالانتماء العربي وبالخيارات العربية، وانما يعكس ذلك مستوى وهشاشة هذه الجبهة والتي تمتهن في سبيل تحقيق مآربها البائسة المجاهرة بشعارات ومواقف لطالما كانت وما زالت تتناقض ايديولوجيا معها بل تتبنّى فكراً عنصرياً هداماً.
انّ المقاومة في لبنان ومن خلال التزامها بالقضية الفلسطينية قولاً وفعلاً… تؤكد على أنها من يدافع عن الخيارات العربية والقدس هي الحاضنة العربية والقرب منها يحدّد الهوية والأصالة…
ان تكون عربياً يعني ان لا تترك الأرض العربية مستباحة من قبل الطغاة والمستعمرين الذين أرادوا إسقاط الدولة السورية خدمة للكيان الغاصب لكي تصبح فلسطين عندها لقمة سائغة.
ان تكون عربياً يعني ان تبني عناصر القوة التي تمنع الكيان الغاصب ان يستبيح أراضيه ويحتلّ عاصمته بيروت كما حصل في العام 1982.
انّ ميزان العروبة والخيارات العربية والمحيط العربي وغيرها من الشعارات التي يُراد بها تشويش الرأي العام وتصوير الأمر وكأنه صراع بين قوى تلتزم الإجماع العربي وبين قوى تناقض قضايا العرب إنما هي شعارات زائفة لم تعد تسمن من جوع، فالقاصي والداني يعرف أنّ الصراع كان ولا يزال عنوانه القدس وفلسطين، وبالتالي بين قوى أميركية ومتصهينة ولو تحدثت العربية وبين قوى مقاومة تلتزم الدفاع عن قضايا الشعوب سواء تحدثت العربية او غيرها من اللغات…