في مياه الخليج… رسائل نووية واشتباك ناعم
} د. حسن مرهج
لا تزال الولايات المتحدة تواصل سياساتها الاستفزازية في مياه الخليج العربي، في محاولة منها لاستدراج إيران إلى معركة بالتوقيت الأميركي، لكن دائماً ما تفشل الخطط الأميركية، عبر وعي استراتيجي إيراني، يدرك خفايا الخطوات الأميركية ومآلات الحركات الإستفزازية، التي تتبعها واشنطن، ففي آخر فصول السياسات الأميركية الإستفزازية، ما أعلنت عنه طهران، لجهة المحاولة الأميركية، للاستيلاء على ناقلة نفط إيرانية في بحر عُمان، لكن البحرية الإيرانية تمكّنت من استعادة الناقلة، بعملية إنزال جوي، وفي حين نقل مسؤولون أميركيون رواية مغايرة تماماً لتلك الإيرانية، متحدّثين عن أنّ طهران هي مَن تحتجز ناقلةً ترفع العلم الفيتنامي، ما دفع بالجانب الإيراني إلى عرض فيديو واضح جداً وتكذيب الرواية الأميركية بالكامل وأمام العالم أجمع.
ما سبق يعطي مشهداً واضحاً، حيال التوتر الأميركي الإيراني، والذي لا تزال أبواب تهدئته مغلقة في وجه أي احتمال لخفض حدة التوتر بين البلدين، خاصة أن واشنطن أعلنت قبل أيام، نيتها استخدام ما أسمته الخيارات البديلة، والتي يُحتمل أن تكون خيارات عسكرية، على نمط الإستفزاز الأميركي الذي حدث في بحر عُمان.
كلّ ذلك التوتر والاستفزاز الأميركي، يُراد منه صراحةً، الضغط على إيران قبيل استئناف المحادثات النووية في فيينا، لا سيما أنّ الغموض يؤطر مستقبل الاتفاق النووي، ليأتي تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ترجمة صريحة وواضحة للنوايا الأميركية حيال إيران وبرنامجها النووي؛ بلينكن الذي لوّح باللجوء إلى الخيارات البديلة، ومنها ذلك العسكري، الأمر الذي يؤكد مضي الإدارة الأميركية في اتباع سياسة الضغوط القصوى على طهران…
في ذات السياق، فإنّ طهران تشترط خفض الإجراءات الأميركية، والتراجع عن سياسة العقوبات، والكف عن السياسات الإستفزازية.
في مقابل ما سبق، ترفض إدارة جو بايدن، تقديم أي تنازلات في إطار الرغبات الإيرانية، الرامية لرفع العقوبات بالكامل عن طهران، لكن رغم ذلك، فقد تمكنت القيادة الإيرانية، من تخطي كافة العقوبات الأميركية، والالتفاف عليها، بينما لا تزال واشنطن تتبع سياسة توتير الأجواء، والدفع باتجاه تحقيق المزيد من الضغوط ضد طهران، ولعل إحباط البحرية الإيرانية، المحاولة الأميركية الإستيلاء على ناقلة نفط إيرانية، يفسّر النوايا الأميركية تجاه طهران.
وبالتالي، وبصرف النظر عن الرواية الإيرانية وكذلك الأميركية، لجهة ما حصل في بحر عُمان، فإنه وبكلّ تأكيد، فإنّ تلك الحادثة ستلقي بظلال تأثيراتها على مسار المحادثات النووية، هذا الأمر، أكده الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، حين قال إنّ المفاوضات ستفشل ما لم يتمكن الرئيس الأميركي جو بايدن من ضمان عدم انسحاب واشنطن مجدّداً من الاتفاق، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي، الذي يفتقر إلى السلطة، ليس مستعدّاً لتقديم ضمانات. إذا استمر الوضع الحالي، فإن نتيجة المفاوضات واضحة.
في المحصلة، إيران كانت ولا زالت تتمتع بالصبر الإستراتيجي، وتقوم بتحويل العقوبات الأميركية لمزايا وفرص في المستويات كافة، وبطبيعة الحال، فإن المتابع للشأن الإيراني، يدرك بأن العقوبات الأميركية وسياسة الضغوط القصوى ضد طهران، لم ولن تحقق غاياتها، بل على العكس، فقد تمكنت إيران من تحقيق قفزات نوعية في المجال النووي والاقتصادي، وعليه، فإن إيران لا تستعجل العودة إلى الاتفاق النووي، وهي تنتظر البوادر الأميركية والنوايا الحسنة من قبل الإدارة الأميركية، وبذلك فإن طهران مرة أخرى تحقق انتصاراً جديداً، وتجبر واشنطن على إعادة النظر في سياساتها تجاه إيران.