من يخرج على الناس شاهراً سيف الحق والحقيقة ويوقف تدحرج كرة النار؟
} علي بدر الدين
منذ كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، وما أعقبها من توترات وإشكالات وحوادث أمنية وفوضى وفلتان، أدّت إلى سقوط شهداء وضحايا وجرحى ومعوقين، وما تخللها من سقوف عالية من الصراعات على السلطة والمال والتحاصص والمصالح، مدعومة بالخطابات السياسية والطائفية والمذهبية، لا تزال سارية الفعل والمفعول من دون توقف، وكأنّ الطبقة السياسية والمالية أقسمت على ألا تترك البلد الذي نكبته، والدولة التي أفلستها، والشعب الذي أفقرته وجوّعته وأذلته، قبل أن يطيح بها الزمن أو القضاء والقدر، وهي تتصرف كأنّ فوق رأسها خيمة، أو كأنها مخلّدة، أو محاطة بجدران عازلة وعالية تحميها وتقيها من الموت المحتوم المتربّص بالجميع، ولن يقدر أحد أياً كان أن يخدش مشاعرها او يطالها وينال منها، لاعتقادها أنها فوق الشبهات، وأنها محصّنة ومختبئة في جحورها وأبراجها العصية على الاختراق، «يأتيكم الموت ولو كنتم في أبراج مشيّدة».
لا يا سادة أيها الظالمون المتسلطون المستكبرون المستبدّون، اقرأوا التاريخ جيداً، وخذوا العبر ممن سبقكم، كانوا أقوى وأشرس منكم، وحكموا بالحديد والنار والظلم والاستبداد والفساد والقمع، كيف كانت نهايتهم، وبأيّ طريقة تخلصت منهم شعوبهم، فمنهم من قتل غرقاً وحرقاً وبحدّ السيف، ومنهم من هرب متخفياً كالجرذان، ومنهم من «تختخ» في السجون، وبعضهم الآخر فقد عقله وجنّ.
الشعب يدرك أنكم اقوياء ومتماسكون ومتفقون عليه، وتتلاعبون بغرائزه وعصبياته الطائفية والمذهبية والمناطقية، وأن لا قدرة له عليكم في الوقت الراهن، لأنه ما زال يتجرّع سمومكم، ويتلذذ بحِقن تخديركم، ويستسلم لقدره ولكم، ولكن احذروا غضب الشعب إذا جاع ولم يجد قوت عياله، وإذا مرض ولم يجد دواء يشفيه ولا مستشفى تستقبله لتعالجه، ولا مقعد في مدرسة، وقد تقطعت به السبل، ويعيش العتمة الشاملة وانقطاع الماء وانعدام فرص العمل، وهو يعاني منها جميعها، ويعيش مأساتها وتداعياتها كلّ يوم، ولكنه لا يزال على» قيد الحياة»، وإن كان يتنفس من خواصره، ويؤمّن النذر اليسير منها، بشق النفس والصبر على البلاء، الذي حط رحاله عنده غصباً عنه من دون أن يحرك ساكناً وبصمت وصبر غير مسبوقين كأنّ على «رأسه الطير»، أو كأنّ هناك قطباً مخفية أو معروفة، حالت دون تمرّده على واقعه المزري حتى الآن، أو على مستقبله المجهول المظلم جداً، أو مصيره الذى سيودي به حتماً إلى جهنّم وبئس المصير.
غير أنّ للصبر حدوداً، أو كما قال الإمام الحسين «هيهات منا الذلة»، أو كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر».
اتعظوا أيها المتسلطون، واعلموا «انّ الطيور تأكل النمل وعندما تموت فإنّ النمل يأكلها»، وستلاحقكم لعنات الفقراء والمحتاجين والمساكين والأرامل والثكالى وأبناء السبيل، في حياتكم من قلوب محروقة، وأفواه جائعة وبطون خاوية، وإنْ كانت لم تصلكم او لم تسمعوها بأذنكم الطرشاء، لأنها تطلق من داخل البيوت المغلقة، خوفاً منكم وخشية من بطشكم وظلمكم، وستظلّ تلاحقكم إلى قبوركم، لأنكم لم تتركوا لهم شيئاً إلا وسلبتموه، ولا كرامة إلا وأهدرتموها، وإنْ كان البعض المستزلم والمنتفع والانتهازي والجبان يمدحكم، فهو لأنه خائف منكم، وقد تحوّلتم إلى ذئاب كاسرة، خطركم قائم وداهم ودائم على كلّ من يدعس لكم على «طرف»، مع أنه خدمكم لعقود طويلة، وأوصلكم إلى ما أنتم فيه من سلطة ومال ونفوذ وسطوة، ولكنكم طعنتموه وخذلتموه وتنكرتم له ولخدماته، وبفضله أصبحتم «أولاد ناس»، وأصبحوا هم لديكم خدماً وحشماً ودرعاً وعبيداً وأبناء جوار. تتفاخرون بأنكم «الشطار»، والشعب هو الغبي لأنه سكت عن حقوقه المهدورة، مع أنكم مثل الشطار الذين تحكّموا في العصرين المملوكي والعثماني، وكانوا يُعرفون بقطاع الطرق وقد امتهنوا النهب والفساد ودعسوا الأنظمة والقوانين وخرّبوا البلاد وجوّعوا وأذلّوا العباد.
أيها الحكام… سجالاتكم عبثية، وخطاباتكم ووعودكم الزائفة وتناحركم وصراعاتكم كلها تؤشر إلى أنكم ما زلتم على غيّكم، ولم ولن تتزحزحوا مقدار شعرة عن الـ «أنا» وعشق الذات، والرجاء مقطوع منكم، ولا أمل بأيّ واحد من منظومتكم، لأنه لم يشأ الخروج من صفكم، ويعلن توبته ويبرّئ ذمته مما اقترفه بحق الوطن والدولة والشعب، ويكفر عن شروره وسوء أمانته وعدم وفائه لمن أعطاه صوته وفداه بروحه وعلّا من شأنه في لحظة تهاون وضياع وقلة تقدير، أو لأنه صدّق شعارات من انتخبه واختاره واكتشف متأخراً زيفها، وأنها لم تكن سوى شماعة لخداعه ولكن بعد فوات الأوان.
بصراحة فجة نقولها وبالفم الملآن، وقد لا يستسيغها البعض، إنّ كلّ التحليلات والتوقعات وتضخيم الأمور او تصغيرها واستسهالها لا فائدة مرجوة منها، انها مجرد كلام بالهواء، ولا قيمة لتحميل المسؤولية لهذا او ذاك، او من أخطأ ومن أصاب… فالكلّ مسؤول وإنْ كان بمقدار وإلا فليخرج فريق سياسي او طائفي أو مذهبي إلى الملأ ويشهر سيف الحق وقول الحقيقة ويسمّي الأشياء بأسمائها ويسجّل للتاريخ مواقف شجاعة وغير مسبوقة، وإلا فالشعب والتاريخ لن يرحما أحداً لأنه لا جدوى من الكلام الفاضي، الذي لم ينتج لغاية اليوم سوى انهيارات متتالية، وتدحرج لكرة النار التي إذا ما استمرّ تمدّدها، ستحرق بنارها الجميع فلا تبقي ولا تذرّ…