العراق وخطر الفوضى… قضية الحدود أولاً
ناصر قنديل
– في الكثير من وجوه الشبه بين لبنان والعراق، يتداخل الكثير من الترابط بين ما تشهده كل من الساحتين، حيث لا يحتاج المراقب للكثير من الذكاء ليكتشف التشابه والتزامن بين حراكي تشرين 2019 في البلدين والدعوات للانتخابات المبكرة في كليهما، أو ليكتشف أن سلاح المقاومة والمسار الجغرافي لترابط قواها من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان، يشكل عنصر الفك والتركيب للكثير من مشاهد السياسة والأمن في البلدين، وفي خلفيتها كل التعقيدات الدولية والإقليمية، التي أرخت بظلالها على المنطقة منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، بعدما قسمتها إلى محورين، واحد داعم للاحتلال ويراهن عليه، وآخر يراهن على نهاية هذا الاحتلال بورطة أميركية تخلق موازين قوى جديدة، ومن غير الموضوعية والواقعية إنكار أن دول الخليج وعلاقتها بسورية واستطراداً بالمقاومة في لبنان قد بدأ اهتزازها منذ تلك اللحظة، وأن ما شهده لبنان من أحداث كبرى منذ ذلك التاريخ كان يجري على إيقاع هذا الانقسام، مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحرب تموز 2006، وصولاً للحرب على سورية، وانتهاء بالانتخابات العراقية والأزمة السعودية- اللبنانية.
– بحصيلة عقدين من الحروب والأزمات، حقيقة رئيسية ترسمها صورة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وحقائق فرعية تتحرك في ظلالها تحت عنوان مصير توازنات المنطقة وفي قلبها أوزان حلفاء أميركا، وفي طليعتهم «إسرائيل» والسعودية، في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي المقبل حتماً، من المنطقة، وفي محاكاة هذه الحقائق الفرعية ترتسم تطورات وتعقيدات ما يشهده لبنان والعراق، ومثلما في لبنان كل شيء يدور حول كيفية تحجيم المقاومة وإضعافها طلباً لأمن أكثر اطمئناناً لكيان الاحتلال، في العراق كل شيء يدور حول تحجيم وإضعاف وحصار قوى المقاومة، منعاً لاتصال الجغرافيا السورية والجغرافيا العراقية، وهو ما يصرح الأميركي علناً بأنه أحد الأثمان التي يطلبها الأميركي لانسحابه من العراق، بمثل ما يصرح بأن انسحاب حزب الله من سورية يمثل الثمن الذي يطلبه للانسحاب من سورية.
– كان الرهان على الانتخابات العراقية تمويلاً وترتيباً سياسياً للقوى و‘دارة للعملية الانتخابية، أن ينتج سياقاً ينتهي بمجلس نيابي وحكومة، يقفان على ضفة مقابلة للمقاومة وقواها، ما يفرض عليها معادلات جديدة، لكن العملية لم تكتمل لتحقق المراد حيث تعثرت في عنقي زجاجة، الأول هو العجز عن إنجاز فرز نهائي وإعلان نتائج نهائية للانتخابات على رغم مضي شهر على إجرائها، والثاني هو تعقيدات تشكيل غالبية نيابية كافية لتشكيل حكومة من القوى التي كان مفترضاً أن يبنى على تحالفها تشكيل هذه الغالبية، فسقف ما استطاع تجميعه تحالف التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، 140 مقعداً من أصل 165 مقعداً لازمة لتشكيل الكتلة الأكبر التي تسمي رئيس الحكومة، وحتى داخل هذا التحالف تعثرت فرص التفاهم لأسباب تتصل بخصوصية تكوين التيار الصدري وصعوبة ملاقاتها من الآخرين، من جهة، ووجود سقف عال للحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل تحالف وصعوبة قبولها من شريكيه المفترضين في التحالف، وجاءت التظاهرات الاحتجاجية الداعمة لطعون قانونية قدمتها قوى المقاومة التي استشعرت باستهدافها من العملية الانتخابية، لتحرج وتظهر مأزق الذين بنوا حساباتهم على الانتخابات، ووقعت المجزرة بحق المتظاهرين في هذا السياق.
– ما تعرض له منزل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي من أحداث أمنية، وصفت بمحاولة الاغتيال، توزعت مقاربته بين ثلاثة فرضيات، الأولى هي التشكيك بصدقية وجود محاولة اغتيال انطلاقاً من السياق العملياتي الذي ترويه الوقائع، والثانية هي كون العملية رسالة مدروسة بالنار، والثالثة هي مشروع حقيقي لاغتيال الكاظمي فشل في تحقيق الهدف، لكن الفرضيات الثلاثة تلتقي عند تحقيق ثلاثة أهداف، الأول هو التغطية على المجزرة التي تعرض لها المتظاهرون، والثاني هو توجيه اصابع الاتهام لقوى المقاومة من باب الحديث عن سلاح المسيرات، الذي لا يتحدث أحد عن امتلاك أميركا وإسرائيل لمخزون هائل ونوعي منها، بينما يجري الانطلاق من امتلاك قوى المقاومة لبعضها لاتهامها بالعملية، والهدف هو شيطنة السلاح تمهيداً لحصاره، تماماً كما في لبنان في العراق، والثالث رفع منسوب الاحتقان الداخلي في العراق في ظل فراغ حكومي مع حكومة منتهية الولاية وفراغ نيابي مع مجلس نيابي منتهي الولاية أيضاً، ومثلهما فراغ رئاسي مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية، الذي يفترض بالمجلس النيابي الجديد انتخاب خلف له، فيصعد إلى السطح مفهوم الأمن الذاتي وتنتشر حمى التسلح الطائفي، وصولاً لحجب قضية الانسحاب الأميركي عن جدول الأعمال العراقي، وفرض أمر واقع أمني طائفي على المحافظات العراقية الواقعة على الحدود السورية- العراقية، تحقيقاً لهدف فصل الجغرافيا التي فشلت الضغوط العسكرية والسياسية في تحقيقها.