أخيرة

محمود درويش ونجاة الصغيرة الحنين من طرف واحد

} حمزة البشتاوي*

من أوضح ما قيل عن قصة الحب التي جمعت بين الشاعر محمود درويش والفنانة نجاة الصغيرة ما قاله الكاتب والصحافي عبد الباري عطوان في كتابه (وطن من كلمات) الصادر عن دار الساقي عام 2011 حيث قال: نعم كانت هناك قصة حب جمعت بين محمود ونجاة، والقصة بدأت منذ وصول محمود إلى القاهرة قادماً من موسكو في العام 1971 حيث أقام في فندق (شبرد) المطلّ على النيل، وفي كلّ يوم كانت تأتيه سلة ورد إلى غرفته عليها كرت يحمل توقيع (مع تحياتي نونا).

واستمرّ وصول الورد إلى أن تلقّى محمود اتصالاً هاتفياً سألته صاحبته بصوت ناعم ورقيق: أكيد أنت عايز تعرف مين نونا، بكرة الساعة 12 انتظرني أمام المدخل الرئيسي للفندق سأحضر بسيارتي.

وفي الموعد المحدّد تماماً وبينما كان الترقب والتوتر والقلق مسيطراً على محمود درويش اقتربت منه سيارة فارهة مغطاة نوافذها بستائر سوداء، ثم فتح الباب الخلفي للسيارة وبهدوء شديد أطلت منها الفنانة نجاة الصغيرة واقتربت منه بابتسامة رقيقة وقالت له: عرفت مين هي نونا. فقال لها بخجل وارتباك خفيف كنتِ وما زلت جزءاً من تاريخي العاطفي، وأشعر بأنّ هناك سراً بيننا، وقد يكون الورد علامة تأكيد لهذا السر، فردّت عليه بارتباك مماثل: (يجوز).

ورغم أنّ هذا اللقاء كان الوحيد بينهما، إلا أنّ قصة الحب لها قد تكون حصلت من طرف واحد حيث قال محمود درويش لصديقه الشاعر سميح القاسم: لقد اتصلت بها بعد فترة طويلة من هذا اللقاء وذكرتها بالورد وبالكتاب الذي كنت قد أرسلته هدية لها، ولكنها أجابتني معتذرة بأنها لم تنتبه بسبب عوامل النسيان فقلت لها: قد يكون النسيان هو تدريب الخيال على احترام الواقع، فقالت: إن لا ذنب لها في ذلك ولكنني، لم أشفَ مما حصل بل أصبحت أكثر إدماناً على سماع أغنياتها وخاصة أغنية (إلا إنت) التي أشعر بأنها تغنيها لي وليس لأحد غيري، وهذا خيال ألجأ إليه رغم تناقضه الكبير مع الواقع والظروف. وهنا سأله الشاعر سميح القاسم: ألم تكتب لها شعراً، فأجاب: لقد أدركت متأخراً بأنني قد أكون عشت تجربة الحب من طرف واحد وهذه التجربة حضرت في الكثير من قصائدي وإنطلاقاً من حبي لها وللغناء، وأنت كما تعلم بأنّ علاقتي بالشعر بدأت أساساً عن طريق علاقتي بغناء الفلاحين في بلادنا ومنذ أن عرفت صوتها وعيناها أصبحت أكثر رومانسية في الشعر والغناء وهنا أتذكر مقطع من قصيدة أبيات غزل حيث أقول:

سألتك: هزي بأجمل كف على الأرض/ غصن الزمان/ لتسقط أوراق ماض/ ويولد في لمحة توأمان/ ملاك وشاعر/ ونعرف كيف يعود الزمان لهيباً/ إذا اعترف العاشقان/ إذا فهمت مقلتاك شرودي وصمتي/ أنا عجباً كيف تشكو الرياح/ بقائي لديك؟ وأنتِ/ خلود النبيذ في صوتي/ وطعم الأساطير والأرض أنتِ/ لماذا يسافر نجم على برتقالة ويشرب يشرب يشرب حتى الثمالة…

وقد بقيَ لصوتها تأثير شعري في البناء والإيقاع والخيال، وبقيت هذه العلاقة كجرح من طرف واحد لم تأخذ نصيبها في الواقع بل سكنت دون إنتباه في أسطورة الغياب رغم بقاء صوتها الذي يشبه النرجس والزنبق الأبيض في داخلي يضيء الذاكرة والأحلام، على الرغم من إكتشافي المتأخر بأنّ الورود التي أرسلتها لم تكن سوى مجرد رسالة حنين من لا أحد إلى لا أحد.

*كاتب وإعلامي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى