«ورق عكاظ» والمستعربون الجدد!
} حسن الدر
قبيل انسحاب «إسرائيل» من لبنان، وتحديداً مساء الثامن والعشرين من نيسان عام 2000 عقدت قيادتا حركة «أمل» و»حزب الله» لقاءً مطوّلاً لترتيب إجراءات ما بعد الانسحاب، وقبل أن يغادر السيد نصرالله مقر الرئاسة الثانية، في عين التينة، وضع الرئيس بري يده على كتف «السيد» وقال له: «يا سيد، «إسرائيل» هُزمت، لكن علينا ألاّ نفرح كثيراً ونغرق في نشوة الانتصار، هذا أمر أكبر من أن يتحمّله العرب والمسلمون، وربما بعض اللبنانيين».
بعد ستّ سنوات أعاد السيد نصرالله تذكير زائريه، بُعيد انتهاء حرب تموز، بما كان قد سمعه من الرئيس بري، وأكمل: «تصوّروا كيف ستتصرف اسرائيل والولايات المتحدة والكثير من العرب بعد انتهاء هذه الحرب، سيحاولون تدفيعنا أثمان انتصارنا».
ما نعيشه اليوم ترجمة عملية لقراءة الرئيس بري الذي استند إلى تجربة التحرير عام 1985، ولقراءة السيد نصرالله المستندة إلى تجربة عام 2000 وما تبعها من انتصارات عام 2006 وصولا إلى افشال مشروع إخضاع سورية واليمن وهزيمة داعش وأخواتها ومَن وراءهم.
تراكم إنجازات المقاومة حتّم على أعدائها تسخير كلّ ما ملكت أيمانهم من أدوات اقتصادية ومالية وإعلامية، وحتى أيديولوجية، فانقلب «فينيقيو» الأمس على أنفسهم، وتحوّلوا فجأة إلى عروبيين جدد، ليس حباً بالعروبة التي كانوا يأنفون منها، بل أملاً بالتطبيع الذي يحلمون به في ركاب أعراب المرحلة، ومن المرجح انضمام عدد من قيادات الصف الأول إلى مساندة السعودية في مواقفها كما فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي هاجم حزب الله بشكل واضح وحادّ لأول مرة منذ عام 2008، وما تسرّب عن مسعى يقوم به رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة لإقناع نادي الرؤساء السابقين ودار الفتوى باتخاذ موقف ضاغط على الرئيس نجيب ميقاتي، ما ينذر بتأزّيم المشهد السياسي أكثر فأكثر.
كان يُنقل عن مهندس السياسات الخارجية الأميركية هنري كيسنجر قوله: «لبنان مكان صالح لقطع غيار السياسات الدولية»، ويبدو أنّ السعودية المهزومة في اليمن، والتي تستجدي أميركا وإيران التدخل لإنهاء الحرب والخروج بشيء من ماء الوجه، أرادت تغيير تموضعها من خلال استضعاف لبنان، لمحاولة إثبات وجودها كلاعب مؤثر في المنطقة، ومن ثَمّ اخضاعه تماشياً مع موجة التطبيع، وتماهياً مع مصالح أميركا «وإسرائيل» في تأديب المقاومة تمهيداً لإنهاء القضية الفلسطينية وحفظ وجود وأمن الكيان الصهيوني.
لكن رياح عاصفة الأزمة المفتعلة بقيت ضمن غلاف الموقف الأميركي والفرنسي من المقاربة للوضع اللبناني، وليس خافياً تقاطع مصالح كلّ من الأميركيين والسعوديين «والإسرائيليين» حول لبنان وحزب الله، ما يؤشّر إلى توزيع أدوار أفصحت عنه زيارة موفد الجامعة العربية إلى لبنان حسام زكي الذي عرض سلّة شروط تبدأ باستقالة الوزير جورج قرداحي إرضاءً للغرور السعودي، ولا تنتهي بعودة حزب الله من سورية وتسليم سلاحه!
ومن ضمن أدوات الضّغط الداخلي، قرّرت المملكة تحريض مملوكيها على أخوانهم، فصدرت تصريحات كثيرة عن مسؤولين رسميين وإعلاميين سعوديين تعبّر عن «انتهاء صلاحية» لبنان، وآخرها ما قاله وزير الخارجية السعودي عن أنّ المملكة العربية السعودية توصلت إلى أنّ التعامل مع لبنان «لم يعد مثمراً أو مفيداً» فكان القرار بترك لبنان لمصيره، مع تشديد الخناق السياسي والاقتصادي عليه، وتسعير الخطاب الإعلامي المتهافت، إلى حدّ وصفت فيه صحيفة «عكاظ» السعودية الرسمية لبنان بالدولة الفاشلة والمسؤولين اللبنانيين بـ «ورق التواليت»، في إساءة غير مسبوقة لدولة «شقيقة»!
ثمّ جاهر مسؤولون سعوديون بدعوة «اللبنانيين إلى مواجهة حزب الله»، وهذه دعوة صريحة إلى فتنة داخلية وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، لكن يد المحرّضين قصيرة عن نيل غاية كهذه، فكان التعويض بتفعيل خطاب «المستعربين الجدد» الذين يمارسون أقسى درجات التبعية في أدنى دركات المعايير الأخلاقية، وهؤلاء يتحمّلون مسؤولية تمادي مملكة «الخير» في شرّها واستعلائها، ولولاهم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من مذلّة ومهانة!
وعلى كلّ حال فإنّ السعودية تخطئ الحساب مرة أخرى، وتراهن من جديد على أحصنة خاسرة جُرّبت في ميادين سابقة، وتدير وجهها عن حقيقة ماثلة أمامها، وهي أنّ لبنان تغيّر وما بعد المقاومة ليس كما قبلها.
وكي لا نسقط في بازارات «عكاظ» الشتيمة، فإنّ أقلّ ما يُقال في بعض مسؤولي لبنان بأنهم «ورق عكاظ» للبيع، في أسواق المواقف…
