أنقرة… الرياح عكس السفن!
} فاديا مطر
فيما لم تعد الأجندة التركية ذات الطابع العثماني بذات النفع الذي بنى عليه حزب العدالة والتنمية سياسته منذ عقد من الزمن، تتوضح مستجدات كثيرة في طريق العودة التي تتبعها أنقرة في السياسة الداخلية والخارجية على حدّ سواء.
فتركيا التي كانت تتحضّر لدخول عسكري إلى الشمال السوري من أربع محاور اصطدمت بجدار التقارب الكردي ـ السوري مؤخراً بخطوة استباقية جعلت منها موسكو خطوطاً حمراء على مستوى وجودها العسكري في سورية برغم التنسيق التركي مع واشنطن الذي لم تعط له الأخيرة كلّ الاهتمام المطلوب في إستراتيجية تركيا على المستوى السوري، فقد بات تبادل الرسائل الكردية مع دمشق هو رسائل أميركية ذات صلة بالتوافق الروسي مع واشنطن بعد قمة المناخ، وتحفظ واشنطن على بعض الأداء التركي في سورية والعراق كان الأسبق لتثبيط العمل العسكري البري داخل الحدود السورية، لكون تركيا التي وسعت بحثها الإقليمي خارج نطاق الناتو أصبحت تعمل بأجندة داخلية لم تراع فيها أنقرة الرغبة الأوروبية بعدة استراتيجيات منتظمة، وهو أداء ردّت عليه دول أوروبية بتنسيق مضاد للسياسة التركية في شرق المتوسط وحتى في ليبيا والقرن الأفريقي، مما جعل من تركيا غير مرغوب فيها على المستوى الأوروبي لكون التوجه التركي إتسق بطابع عسكري حتى ضدّ حلفاء واشنطن في الإقليم
لأنّ الممارسات التركية الإستفزازية لواشنطن من تصريحات اتهمت بها تركيا واشنطن بمساعدة مجموعات إرهابية في سورية والعراق كانت الأسبق بردّ الفعل على مستوى التوتر بين الحليفين في الناتو، وحروب الجزء التي تتلاعب بها أنقرة في لعبة الكلّ هي جزء من ردّ الحجر إلى مطلقه في السياسة الأميركية تجاه أنقرة بعد التجاذب الأوروبي معها وإبعاد تركيا من لعبة فرنسا في ميناء ألكساندروبولي وستيفانوفسكي اليوناني وقاعدة لاريسيا في وسط اليونان وما حملته رسائل فرنسا في خليج «سودا» في جزيرة كريت في بحر إيجة، كلها كانت ردّا أميركيا تجاه السياسة التركية المنفردة التي لا ترى فيها أنقرة بخياراتها العسكرية سبباً يمنح الجانب الأوروبي حق تغيير السياسة الاقتصادية والتشاركية تجاه دولة عضو في الناتو منذ العام 1951 حتى الآن، وهو بذات الوقت عامل مهمّ للغاية في التعامل الأميركي مع مستجدات الوضع التركي خصوصاً بعد سحب واشنطن لقطع عسكرية من الشرق السوري الى العراق وما تنتهجه السياسة الأميركية في تخفيف التواجد العسكري في العراق وسورية برغم عدم وجود خطة واضحة حتى الآن لخارطة طريق تعمل عليها واشنطن على المستوى العسكري إنْ كان في سورية أو العراق بعد انشغال واشنطن الواضح بملفات مضيق «ملقا» والحرب الباردة مع الصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي.
فكل ما يسمّى حلفاء واشنطن في المنطقة لا يبتعد بتقاطعاته عن محطة أفغانستان التي خرجت منها واشنطن في شكل المتخلي عن حلفائه، وهي رسائل واضحة لما يشهده الوضع في سورية من تقارب عربي وبدء انفتاح على دمشق من بوابة الاقتصاد بدون التطرق للمستوى السياسي حتى الآن، فتوسيع الحوار الكردي مع دمشق وزيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق في 9 تشرين الثاني الحالي ينبئ بتفكيك شيفرة محددة بين موسكو وواشنطن في الملفات الإقليمية على مستوى يتعدّى ما تحتفظ به ملفات المنطقة من تعكير هنا أو هناك، فروسيا التي بدأت بتفعيل معادلة القوة الإستراتيجية كلاعب آسيوي ومتوسطي فاعل على المستوى الدولي هي بذات الوقت قادرة على تنظيم العلاقات السورية مع المحيط المتشابك والتي بدأت أضواء واشنطن الخضراء تومض في بعضها لترتيب روسي للمنطقة وبضمنها تركيا التي تعاني في الداخل كما الخارج على كلّ المستويات، وهنا يمكن لأنقرة قراءة المستجدات بدقة إذا ما رغبت في ترتيب أوراقها من أذربيحان إلى ليبيا إلى سورية والعراق وحتى على المستوى الأوروبي للنزول عن الشجرة في ملفات حوّلتها أنقرة إلى أوراق عسكرية ألغت بموجبها الأبواب السياسية التي خلطت حتى أوراق الداخل التركي المنتفض، لتكون سفن أنقرة بعكس رياحها التي أبتعدت عن ميناء الرجوع في السياسة والميدان عن ما يمكن أن يستطيع حزب العدالة والتنمية مشابكة مع الأطياف السياسية المعارضة له وحربه على حزب العمال الكردستاني في العراق وسورية، ولا يصلح التلويح التركي بورقة اللاجئين السوريين واللعب بمصدر الغاز المغذي لأوروبا لأن يكون بديلاً عما يحاول حزب العدالة والتنمية توطينه كإثبات وجود على خارطة العسكرة والسياسة الدولية حتى الآن. فأيّ الطريقين يمكن لأردوغان سلوكهما إذا ما تطوّر الميدان في الشمال السوري تجاه صدام غير ملائم أو تطور يرمي بدخول مستجد عسكري لا ترغب أنقرة بحدوثه؟ وهل ترتيب البيت الإقليمي سيناسب تطلعات حزب العدالة والتنمية على المستوى المتوسط والبعيد في سياسة العثمانية الجديدة؟
هنا يمكن لأردوغان قراءة متى تكون الرياح كما تشتهي سفنه في تطورات المشهد المستجدّ.