أخيرة

تكنولوجيا القتل…

لم ينقص الساكن الأصلي للقارة الأميركية لا الذكاء ولا الشجاعة الأسطورية في قتاله للقادم الجديد… هذا ما يتحدث عنه ما تواتر من القصص والوثائقيات إبّان وصول الرجل الأبيض إلى سواحل أميركا الشماليّة… الحقيقة كان ينقصه سوء النيّة، وذاتٌ شكّاكة لا تسلّم بظواهر الأمور… بينما كان الطرف الآخر ينضح تآمراً ويتأبّط الشّر، وفوق ذلك وأهمّه… كان يتمتع بميزة استحواذه على تكنولوجيا القتل، والتي سنكتشف لاحقاً أنّ هذا العنصر هو الأداة الحاسمة التي استخدمها ومنذ انبعاث عصر الإكتشافات الجغرافية في قهره للشعوب الأخرى، وسرقة ثروات الأمم، والهيمنة على العالم في ما بعد… تكنولوجيا القتل… كان القادم الجديد يمتلك البندقية والمسدس، مقابل الخنجر والسهم… لم تفلح الشجاعة… ولم يفلح الذكاء الفطري… على مدى ما بين ثلاثة وأربعة قرون من الزمن، تسنّى للقادم الجديد إبادة ١١٤ مليون إنسان، يشكّلون في ذلك الوقت ٢٠ من سكان الكرة الأرضية… أو هكذا وثّق المؤرّخ الأميركي الأبيض ديڤيد ستاندارد في كتابه (American Holocaust ) قدّم الذي أُطلق عليه لاحقاً «الهندي الأحمر» الطعام والشراب والمسكن لهذا القادم الجديد ذي الشعر الذهبي والملمس الناعم والعينين الزرقاوين كلّ ما يستطيع من المساعدة لإعانته على الإقامة بسلام وأمان… وقدّم له الرجل الأبيض في المقابل كلّ ما يستطيع من القتل والإبادة والاستيلاء على كلّ ما يملك… المادة أيها السادة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم… وهي أيضاً مخاتلة… يتدفق بعيداً عن المركز حينما تكون الخبيئة مفعمة بالسوء والشرور، يتدفق المظهر الخلّاب والتلوّن والنعومة فيما يبدو أنها ظاهرة كونية… فحينما يطرأ الثقب الأسود أشدّ الظواهر وحشية ورعباً في الكون… عقب الانهيار الجذبي للمادة… يرصد الراصدون ظاهرة مليئة بالجمال والألوان الساحرة الباهرة في منطقة مستوى الحدث… وهكذا الشأن على مستوى الإنسان… خبيئة مغرقة في الشرّيّة تتغطى ويغلّفها نعومة وتلوّن ومظهر خلاب تكريساً للمخاتلة والخداع والتورية، وللحديث بقية…

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى