السعودية تعتمد الوصفة التي طبقها ترامب
ناصر قنديل
– يعتقد مرجع دبلوماسي عربي أن القرار السعودي حول العلاقات مع لبنان أكبر بكثير من حجم الأسباب المعلنة، وهذا يستطيع التيقن منه كل متابع للمسرح السياسي الإقليمي، وربما يكون أبعد مدى مما يذهب إليه الذين يعتبرون الهدف متربطاً بلبنان وما تريده السعودية منه أو لا تريده، ويرفض القبول بنظرية النية السعودية للابتعاد عن لبنان، لاعتقاده باستحالة قبول هذا التفسير، ففي السياسة لا مكان لترف الحرد والهجر، بل جشع في توظيف أبسط الأوراق في تحقيق الأهداف، وهذا صحيح للأقوياء المرتاحين إلى أوضاعهم، فكيف بالنسبة للسعودية المثقلة بالأزمات والمثخنة بالجراحات، خصوصاً في ضوء المسار المتعثر لأول وآخر الحروب السعودية، وما يشهده اليمن.
– يربط المرجع الدبلوماسي العربي الموقف السعودي بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من التعديلات على أساليب السياسة الخارجية، بعد مرحلتين، اتسمت الأولى بإغداق الأموال على الحكومات من باكستان إلى لبنان، بهدف ضمان التبعية السياسية، أو على الأقل مراعاة المطالب السعودية، وقد ثبت بالتجربة أن هذه السياسة التي كانت تصلح قبل ظهور زمن المقاومة، وصلت إلى طريق مسدود مع تبلور الضغط الأميركي على قوى المقاومة واستنفار السعودية كشريك في هذه المواجهة، وظهرت المرحلة الثانية منذ الحرب الأميركية على العراق، وانتقال السعودية إلى اعتماد الإنفاق على قوى سياسية موالية لسياساتها بدلاً من الحكومات، أملاً باستنهاض جبهة موالين تخوض حروب الوكالة بالنيابة عن السعودية، وكان لبنان كما سورية كما العراق وغيرهم ساحات لهذا التبدل، الذي وصل إلى طريق مسدود أيضاً، مع الفشل في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف، بتحجيم قوى المقاومة وإضعافها.
– المرحلة الثالثة كما يراها المرجع الدبلوماسي العربي، تتخذ من لبنان منصة انطلاق، لأنه كبلد صغير قليل الكلفة في حال الفشل، ويمكن للتراجع فيه أن يختفي وراء أعذار كثيرة، ولأنه بلد مفتوح إعلامياً قائم على الصخب السياسي والإعلامي، ويقع على خطوط تماس دولية وإقليمية ومتعددة، وهو يمر بأزمة شديدة القسوة، وهذا يمنح أي خطوة سعودية خصوصاً على الصعيد المالي مصدراً لدوي هائل، واستدراجاً لمبادرات ومساع كثيرة، ونقطة انطلاق لحراك سياسي يتيح تقييم عناصر هذه المرحلة وبلورتها بأقل الخسائر، وتتسم هذه المرحلة وفقاً للمرجع الدبلوماسي العربي باستنساخ نموذج سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب القائمة على ما عرف بالضغوط القصوى، من بوابة الإجراءات المالية، لتحقيق الأهداف.
– يقول المرجع الدبلوماسي العربي إن المرحلة الثالثة تقوم على استخدام موقع السعودية كبلد غني، استقطب خلال عقود مئات آلاف الوافدين من رجال أعمال ويد عاملة من دول عربية وغير عربية، تشكل تحويلاتهم مصدراً حيوياً في تدفقات العملات الصعبة لبلدانهم، منها لبنان ومصر وباكستان وسورية وجالية فلسطينية كبيرة، وتعمل في اقتصاد السعودية شركات دولية وإقليمية كبرى، وتريد السعودية تسييل هذا الجانب بصفته عاملاً من عوامل القوة السياسية، لفرض معادلات فشلت المرحلتان الأولى والثانية في تحقيقها، خصوصاً أن هناك من يعتقد في السعودية بأن الوضع الإعلامي للسعودية لم يعد يشبه مرحلة كانت السعودية تضمن خلالها عدم وجود أي ذكر لأي ملفات تزعجها في أي من وسائل الإعلام في العالم، وخصوصاً في الدول التي تباهي بحرية الإعلام واستقلاله، وتتباهى وسائل الإعلام فيها بمكانتها المتفوقة مهنياً، لكنها جميعها كانت تتلقى أموالاً طائلة مقابل الصمت، وأدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد إلى كسر هذا الصمت، والمعادلة السعودية الجديدة، هي وضع المصالح الاقتصادية للدول التي تعتقد القيادة السعودية بإمكان الضغط عليها، للقول، مستقبل جالياتكم وشركاتكم وتدفقاتكم المالية، مقابل الصمت، فصمت الحكومة أو تأييدها لا يكفيان، المطلوب صمت الإعلام والوزراء والأحزاب والنواب، وفي الطريق تضع السعودية ضغوطها في رصيد تضيفه لجدول الأعمال الأميركي في المنطقة.
– معركة صمود وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي ورفضه الاستقالة، تمثل خط دفاع أول في مواجهة هذه المرحلة، التي ستتمدد إذا فازت في لبنان لتفرض قواعدها خارج لبنان، كما يقول المرجع الدبلوماسي العربي.