اليمن وسورية يرسمان مستقبل المنطقة
ناصر قنديل
– يتراجع المشهدان اللبناني والعراقي إلى الخلف، نحو ربط نزاع في كل منهما مع أزمات مستعصية، ومحاولات فاشلة لتغيير موازين القوى بوجه محور المقاومة، ففي العراق فشلت محاولات التفجير على خلفية المجزرة التي ارتكبت بحق أنصار المقاومة المعترضين على نتائج الانتخابات بصورة سلمية، ثم فشلت محاولة التفجير على خلفية الاعتداء الذي تعرض له منزل رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، ونجحت إيران بشخص قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قآني بتبريد الأجواء وجمع الكاظمي مع قادة فصائل المقاومة، لربط نزاع عنوانه، مواصلة الفرز لحسم نتائج الانتخابات قانوناً، ومواصلة التحقيق القضائي في مقتل المتظاهرين وحادث الاعتداء على منزل الكاظمي، واعتماد الحوار أساساً لحل الخلافات، وفي لبنان تجاوز الوضع خطر الإنزلاق نحو المواجهات الأهلية على خلفية مجزرة الطيونة، وخطر انهيار الحكومة على خلفية الأزمة السعودية مع لبنان والمطالبة باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وفي البلدين يبدو ربط نزاع على القضايا العالقة سيتكفل باستهلاك الشهرين المقبلين.
– خلال الشهور المقبلة وفي الطريق إلى القمة العربية في الربيع المقبل التي ستستضيفها الجزائر، تتسارع الأحداث على المسار السوري، خصوصاً في اتجاهين رئيسيين، الأول هو انسحاب القوات الأميركية الذي تزداد المؤشرات على قرب حدوثه، سواء لجهة الحراك العسكري الجاري في شمال شرقي سورية، أو لجهة الحراك السياسي للقيادة الكردية باتجاه دمشق، والحضور الروسي على الجبهتين العسكرية والسياسية لتسهيل قرار الانسحاب على الأميركي، أما الاتجاه الثاني فهو تسارع الخطوات الدبلوماسية نحو سورية لإنهاء المسار الذي بدأ مع الحرب عليها، وترتب بموجبه قطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين العديد من دول العالم، والدول العربية بصورة خاصة، وجاءت زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق وما سبقها وما رافقها إشارة لما سيليها، وما سيتضمن من تلاحق زيارات مشابهة تعترف بنصر سورية، وتفتح أمامها طريق استعادة دورها الدبلوماسي والسياسي على الساحة العربية الرسمية، التي ستتوج بحضور رئيسها لقمة الجزائر.
– بالتوازي مع تطورات المشهد السوري لصالح تعافي الدولة ونهوضها وعودتها إلى المشهد الرسمي العربي من موقع المنتصر من جهة، ومواصلة تقدم مؤسستها العسكرية في فرض حوضرها على المزيد من المناطق التي كانت خارج سيطرتها، يبدو اليمن على موعد مع تحولات كبرى يتسارع إيقاعها، بحيث تبدو المنطقة على موعد مع زلزال قادم من مأرب، بدأت تداعياته العسكرية في مشهد الساحل الغربي حيث جاءت الانسحابات العسكرية للقوى المناوئة لأنصار الله والجيش واللجان، كترجمة للقلق من مرحلة ما بعد مأرب، وسط اتهامات متبادلة بين حلفاء السعودية والإمارات بمقايضات تمت تحت الطاولة مع أنصار الله، لضمان مستقبل ما بعد مأرب، وإذا كان ديفيد شنكر قد سبق الجميع بتوصيف انتصار أنصار الله في معركة مأرب بصفته حسماً للحرب في اليمن بأسوأ سيناريو ممكن بالنسبة لواشنطن والرياض، فإن من الصعوبة بمكان تخيل المشهد مع هذا الانتصار للأنصار، حيث التداعيات ستكون أكبر من مساحة اليمن وتترك ظلالها على المشهد الإقليمي كله، خصوصاً مع التساؤلات حول اليمن الجديد الذي سيولد من رحم هذا الانتصار، فاليمن أكبر دول الخليج بعدد السكان، الذي يزيد على عدد سكان دول الخليج مجتمعة، واليمن صاحب ثروة نفطية غير مستثمرة واعدة وهائلة، واليمن في موقع استراتيجي شديد الأهمية في منطقة النفط العالمية، وعلى عقدة خطوط التجارة العالمية، والممرات المائية الاستراتيجية في أمن الملاحة.
– يمكن تخيل ملامح الوضع العربي الجديد الناتج من الانسحاب الأميركي والصعود السوري والانتصار اليمني، اذا توقفنا عند النتائج المباشرة لهذه التحولات على لبنان والعراق، والتوازنات الجديدة في الخليج، وميزان القوى الجديد في الصراع بين محور المقاومة وكيان الإحتلال.