أولى

«من يسترجع أموالنا يستحق أصواتنا»؟

 بشارة مرهج*

ما أن تمّ الإعلان عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة حتى أنبرت أقلام ووسائل إعلام عديدة إلى التركيز على هذا الأمر مقابل التقليل من أثر الكارثة الاقتصادية التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم مخلفة الدمار والمآسي والتهجير، كما لم يحدث من قبل من تاريخ لبنان الحديث والقديم.

وفي خضمّ هذه البورصة الانتخابية التي يتضخم الحديث عنها يوماً بعد يوم يحاول المسؤولون الاستفادة من «سحرها وجاذبيتها» لإبعاد الأنظار عن ممارساتهم المعيبة والمستمرة من دون أيّ اعتبار للقوانين أو حقوق الناس الأساسية. ويجري ذلك كله بالتزامن مع إصرار الطبقة المصرفية وحاكم البنك المركزي على التنصّل من مسؤولية التدهور الحاصل ورفض رسملة المصارف أو إعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج، بحيث تتدحرج الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية إلى الحضيض ويفرغ لبنان من شبابه وأهل الاختصاص فيه نظراً لانفلات الأسعار وانتشار الفقر بين الناس وتعثر المواصلات والاتصالات واشتياق دوائر الدولة إلى موظفيها، مما يجعل الناس في حيرة من أمرها لا تعرف كيف تدبر مصروف اليوم أو كيف تؤمن القسط المدرسي أو كيف توفر ثمن الدواء.

وبدلاً من أن تحضر الانتخابات كاستحقاق ديمقراطي طبيعي لا بدّ من مخاطبته بإيجابية لاختيار ممثلي الشعب والمعبّرين عن صوته والملتزمين مصالحه، تأتي الانتخابات في لبنان كعملية سياسية مهمتها إنتاج نفس السلطة ونفس الممارسات الفوقية التي تتنكر للديمقراطية وأحكام القضاء وحقوق الناس في ظلّ قانون نسبي ملتبس يحتفي بالمال المنهوب ويكرّس المحاصصة المذهبية.

وإذا كانت المنظومة الحاكمة قد وضعت قناعاً قاتماً على وجهها الكالح يجنّبها رؤية ما اقترفت أيديها من جرائم مالية وإدارية وقضائية بحق الشعب والمجتمع، فإنّ المواطنين والمغتربين والمنكوبين يرون بأمّ العين هذه الجرائم ويتحسّسون نتائجها ويكتوون بجمراتها ويحاولون كشف الغطاء عن أسرارها وتبيان «أفضالها» التي تتماهى مع البؤس والخراب.

وإذا كانت الطبقة الحاكمة تهتمّ بمصالها حصراً وتناور بالانتخابات لتشتيت قوى التغيير والإصلاح والديمقراطية وتجديد سلطتها ـ عبر النفوذ والمال والشحن الطائفي ـ فإنّ القوى الشعبية ملزمة بالمجابهة بما تملك من وسائل متواضعة، ولكن مع التركيز الدائم على المشكلة الأساسية التي تعيشها البلاد ـ أيّ الأموال المنهوبة والمهرّبة ـ والتي من دونها لا يمكن وقف التدهور والبدء بعملية الإصلاح والحؤول دون موت الكثيرين او تهجيرهم أو حرمانهم من لقمة العيش أو إخراج أولادهم من المدارس والجامعات والمستشفيات بعد أن تحوّلت العملة اللبنانية، بفضل الحاكم والحكام، إلى مجرد أوراق مزخرفة عاجزة عن شراء عشرة في المئة مما كانت تشتريه من سلع وخدمات قبل انفجار الأحداث الحالية.

والشعب الذي يعاني اليوم الأمرّين من فساد السلطة وإهمالها لا بدّ له أن يتذكر في خضمّ العملية الانتخابية أن المنظومة الحاكمة بما فيها مواقع الاحتكار ومجلس النواب لم تحرك ساكناً لمواجهة الأزمة وإنقاذ الاقتصاد، وإنما تحركت للاستفادة منها وزيادة ثرواتها من ودائع الناس بعد أن هرّبت أموالها إلى الخارج تحت جنح الظلام ومساعدة حراس المال والمسؤولين عن سلامة الاقتصاد.

صحيح أن الانتخابات قادرة على فرض نبضها وحركتها في الشارع المتعطش للديمقراطية والمحاسبة، وصحيح أيضاً أن الطبقة الحاكمة قادرة على التمويه والتضليل والدعاية عبر النفوذ والمال ـ بشقيه الخارجي والداخلي ـ إلا أن ذلك كله لا يجوز أن يربك قوى المعارضة والتغيير أو يمنعها من توجيه الأسئلة بكلّ وضوح ومسؤولية إلى الكتل الانتخابية التي احتلت مقاعد مجلس النواب فيما إذا كانت قادرة على الوقوف بوجه الفساد والاحتكار وفيما إذا كانت قادرة على استرجاع الأموال التي حوّلت من خارج القانون إلى البلاد الأجنبية. كما ينبغي توجيه سؤال إلى كلّ هؤلاء فيما إذا كانوا قد شاركوا أو غطوا عملية إخراج الأموال وإضعاف الليرة وطعن اللبنانيين في صميم اقتصادهم وحياتهم. كما أنه من حق الناس أن يسألوا النافذين عن معنى التبجّح بالقوة في لحظة والتذرّع بعدم المعرفة في لحظة أخرى. أن من يجد في نفسه الأهلية للترشح للمقعد النيابي مجدداً بجب أن تكون لديه الشجاعة للإجابة على هذه الأسئلة وسواها.

إنّ من ساهم في تفجير الأزمة وتفاقمها ليس مجهولاً، إنه نفس الشخص الذي اعتدى على ودائعنا وسطا على ممتلكاتنا ونهب مقدراتنا. إنه نفس الشخص حاضَرَ بالشفافية ودعا إلى المحاسبة بينما كان محاميه ينهي معاملات شراء قصر في لندن أو نيويورك، إنه نفس الشخص الذي استهان بالناس وخان الدولة وخرّب مؤسساتها ونهب خيراتها، ومع ذلك ها هو يتقدّم إلى الشاشة طالباً تمثيلنا والحفاظ على مصالحنا ودرء المخاطر عن لبناننا. مختصر القول: من لا يستطيع استعادة أموالنا لا يستحق ثقتنا أو أصواتنا لا في لبنان ولا في المغتربات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى