بيان عمدة الإذاعة: عيد التأسيس محطة في التاريخ لمسيرة قدمت شهداء ودروساً في البطولة المؤيدة بصحة العقيدة
عميد الإذاعة ـ مأمون ملاعب
يحتفل السوريون القوميون الاجتماعيون في 16 تشرين الثاني من كل عام بتأسيس حزبهم، وهي ليست مناسبة عابرة أو دورية في حياتهم وحياة الأمة بل دليل عظيم وقاطع على عمق النهضة والوجدان القومي الاجتماعي في النفوس، وتؤكد الاحتفالات في هذه الذكرى أن في سورية جماعة حية مدركة لهويتها وحقيقة وجودها وتعمل في قضية أمتها المتمثلة بمبادئها.
«منذ تلك الساعة انبثق الفجر من الليل وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية الممثلة في علم الحزب السوري القومي الاجتماعي». (سعاده)
جاء تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في لحظة من تاريخ أمتنا ضاعت فيها هويتنا القومية وضاعت معها الإرادة والعزيمة فتشظت بلادنا وسقطت بسبب الجهل والضعف بالمآسي والآلام. عصورٌ من الانحطاط سبقت بعث النهضة وتأسيس الحزب فتمزقت الأمة وتمزق الوطن معها ورضخت لعقود تحت نير الإرادات الأجنبية في ظل فقدان السيادة وضياع الهوية القومية والتآمر من الداخل وانتشار المثالب والمصالح الفردية على حساب المصالح القومية.
ومن قلب هذا الليل الحالك انبثق فجر الحزب السوري القومي الاجتماعي كطائر الفينيق باعثاً نهضته في هذه الأمة ومعيداً لها هويتها وحقيقة وجودها، معبّراً عن إرادة الأمة وعن تمسكها بالحياة العزيزة.
أسس أنطون سعاده الحزب القومي ليكون حاملاً لعقيدته ومبادئه والقوة التي تحمل هذه النفسية العظيمة والعقيدة الصلبة، عقيدة واضحة تؤكد الهوية وتعرّف القضية والحق والمصلحة وتستنفر الإرادة والعزيمة والبطولة في السير على درب نهضة الأمة وارتقائها وقوتها في صراع الأمم البقاء.
السادس عشر من تشرين الثاني هو تجسيد للفكر بالمؤسسة، هو ربط العقيدة بالصراع لتحقيقها. هو رمز الانتماء بالتعاقد الحرّ الواعي بين من قدّس الواجب الواجب وسار بانتظام مجاهداً قومياً نحو حرية الأمة وعزّها من جهة، وبين المعلم القائد الذي نذر نفسه للأمة فكان قدوةً صادقاً في كل خطواته حتى الفداء .
بعد تسعة وثمانين عاماً على التأسيس ما أحوج الأمة إلى عقيدة سعاده وما أحوجها إلى دور فاعل ومؤثر لحزبه. من لبنان الرازح في التخلف نظاماً واقتصاداً ومؤسسات. لبنان الذي يعاني من الطائفية لعقود تشرذم شعبه ودُقّت الأسافين والفتن بين أبنائه وتسوقه إلى الخراب فئات ربطت وجودها بمصالح المحتل فعطلت الدولة والمؤسسات وسخرت إعلامها للفتن والتفرقة وتعمل في كل لحظة لضرب الأمن والاستقرار .
يعاني لبنان اليوم من أزمة اقتصادية مالية حادة تهدد الكثير من أبنائه بالحاجة والجوع في وقت لا يرى القيمون عليه من خلاص إلا بالتسول والمساعدات. المسؤولون في لبنان سابقاً وحالياً ومعظم الشعب من خلفهم مقتنعون بضعف لبنان وعجزه وحاجته إلى المساعدة من الآخرين فجعلوه ذليلاً يستجدي وتملى عليه الشروط وتثار في وجه التهديدات إن عصى، علماً أن هذا اللبنان، في مواجه الاحتلال، كان جباراً عزيزاً حرر أرضه دون شروط ولا تنازلات ولا حتى مفاوضات، ثم عاد وحرر أسراه ورفات أبطاله المقاومين وأذاق العدو طعم الرعب والخوف وأخرج جنوده أذلاء… فكيف يستهان به ويستباح بهذا الشكل؟ لم يتحمل العدو انتصار لبنان عليه ولم تتحمل الولايات المتحدة ذلك، فساقوا إليه الدسائس والمؤامرات وحاصروه لغاية إذلاله وإغراقه بالفتن من جديد من بوابة الجوع والفقر. المؤلم والمخزي أن مسؤولين فيه ومجموعات يعملون أيضاً على نحر كرامته برضوخهم للخارج وشروطه.
أما في الشام فسنوات عديدة عصيبة مرت عليها، يوم واجهت وحيدة مؤامرة دولية لإسقاطها عبر العديد من الدول الإقليمية والدولية المتعاونة مع الصهيونية أو تدور في فلكها وبعض تلك الدول الأذناب من مدعي العروبة. هوجمت الشام من كل الحدود وقدموا إليها بمئات الآلاف من المرتزقة الإرهابيين الهمج، ضمن خطة صهيونية عالمية وبتمويل عربي وتسليح تركي. دفعوا مليارات الدولارات في تدمير الشام وقبلها العراق وهم من لم يجرؤون أن يدفعوا حفنة من المال في سبيل نصرة الحق المسلوب في فلسطين أو في سبيل خير الأمة. حاول الأعداء على امتداد سنوات كل ما يستطيعون ولو قدروا لقطعوا عن الشام حتى الهواء لكنها بقيت قلعة صامدة، صبورة، جريحة، متألمة، إنما عزيزة، مقاومة، متمعة بالكرامة. رغم كل الأهوال ضخامة الحرب بقيت أسوار دمشق شامخة فوق كل ناطحات السحاب في العالم ومنيعة على كل الحاقدين.
أما العراق فهو يعاني منذ عشرات السنين حروباً واحتلالات وتخريب ومن ثم محاولات عدة لتقسيمه ولزرع الفتن فيه. خسر العراق استقراره بفعل الاحتلال الأميركي وتأثيراته الداخلية حين نجح بإذكاء الخلافات وتوسيع التشققات وفرض نظام يميز بين أبناء المجتمع الواحد وينزع عن المواطنين صفة المواطنة ليتحولوا إلى رعايا طوائف وإثنيات. تحرر العراق لفترة بفعل أهله المقاومين إلا أن الاحتلال عاد إليه بالخديعة وبتعاون مخلفات الاحتلال، عاد إليه بعد أن لمس تقارباً مع الشام وجبهة واحدة في صد المؤامرة الأميركية المتمثلة بـ»داعش» وإخوانها. لقد حاول الجيش الأميركي جاهداً منع الجيش السوري وحلفائه من الوصول إلى البوكمال والحدود العراقية وتحرير دير الزور كما حاول في العراق منع الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي من تطهير الأنبار والوصول إلى الحدود السورية. كان الجيش الأميركي يدافع وبكل وضوح عن حدود سايكس بيكو،.. استعمل القوة العسكرية ومن ثم كل قدراته السياسية لفرض قادة تأتمر به ولإبعاد أي حكومة تفكر بالتلاقي مع دمشق، فضلاً عن طهران.
خلال الحرب على الشام استعمل الأميركيون والعرب التابعين لهم أرض الأردن للانطلاق نحو الشام وأقفلوا الحدود فيما بينهما ولم يكن لدى الأردن لا قدرة على الرفض ولا الممانعة. أضعفوه واستغلوه ورغم الضرر الكبير الذي وقع على الأردن اقتصادياً والمخاطر الأمنية فإنه كان عاجزاً عن الرفض حد شراكته في المؤامرة.
في كل ذلك تبدو المسالة الفلسطينية القضية هي نفسها، تقسيم الأمة إلى كيانات والعمل على تباعد هذه الكيانات وعلى إضعافها وإبقائها ضعيفة ضماناً لبقاء «إسرائيل» وحين استطعنا الاستفادة من بعض قوتنا تحت راية المقاومة بتهديد كيان العدو كانت كل هذه الحرب الكبرى على مكامن القوة في الشام ولبنان والعراق وفلسطين وتأخذ الحرب أطراً وميادين جديدة في الاقتصاد والثقافة والإعلام والأمن….
اليوم، تبدو الطريق أكثر وضوحاً لكل فرد تعنبه القضية والمصلحة الوطنية أو حتى مصلحة أي كيان من كيانات الأمة. كيف للبنان أن يتنفس بدون الشام؟ وحتى من فرض الحصار اضطر في لحظة ما ولغاية ما على كسر الحصار عبر الشام. العراق يستطيع المساهمة في اقتصاد لبنان في نواحي عديدة عبر الشام كما يحتاج الأردن إلى ذلك.
الشام بحاجة إلى نفطها ولا يمكن أن تبقى محاصرة أو محتلة في بعض أجزائها وهي بالتعاون مع العراق أولاً ومع حلفائها ثانياً قادرة على رد الأطماع التركية في شمالها. تلك الأطماع التي أضحت واضحة وخطرة على سوريا كما على العراق. كما أنهم قادرون على طرد الاحتلال الأميركي من العراق والشام ودفن مشاريعه التقسيمية وقطع يد العابثين من الداخل والخارج.
اليوم ومع اشتداد المعركة وشمول الحرب كل هذه الجبهات والميادين نحن أحوج ما نكون إلى معرفة هويتنا القومية وإدراك قضية أمتنا ومصلحتها.
ليس السادس عشر من تشرين الثاني مجرد ذكرى أو مناسبة للاحتفال بل محطة في التاريخ لمسيرة قدمت الشهداء ودروساً في البطولة المؤيدة بصحة العقيدة ومشاعل مضيئة في الثقافة والأدب والفن وقدوة في التضحية والجهاد.
أيها القوميون الاجتماعيون
إن عيد تأسيس حزبكم اليوم هو دعوة صريحة للوحدة والعودة إلى المؤسسات فكما قال سعاده «العقيدة لا تكون عقيدتين، بل واحدة وأن الحركة لا تكون حركتين، بل واحدة، وأن الزوبعة لا تكون زوبعتين، بل واحدة»، لذلك كونوا عصبةً واحدة.
الحزب الذي سلاحه المعرفة والبندقية يجب أن لا تنقصه الإرادة والعزيمة بل أن يستنير بهما نحو جولات جديدة وينهض رافعاً معه أمته إلى المجد.