«الإرادة المصطنعة» واستقواء الخليج السعودي على الشعب اللبناني!
د. جمال زهران*
نحن نعيش عصر «الإرادات المصطنعة»، والتي تعني قيام بعض الدول بممارسة مظاهر القوة ـ وهي الاستقواء ـ على دول أخرى، ترى فيها متنفساً من جملة «القهر» الذي يمارس عليها من دول أقوى منها، فتضطر للتنفيس عما لحقها من «ضغوطات» لم تعد قادرة على تحمّلها. تلك هي ظاهرة عبّر عنها أستاذنا العبقري د. جمال حمدان، بالقول بأنّ الاستعمار الخارجي يمارس القهر على النظم الحاكمة الاستبدادية في عالمنا الثالث، ويفرض على الحكام أن يفعلوا ما لا يرغبون ورغم إرادتهم، ولكنهم مضطرون لدفع الثمن ويتظاهرون بالرضى والقبول طواعية حتى وصلوا إلى مرحلة التبلّد في مواجهة هذه الضغوط، وهي الأوامر الاستعمارية العليا أصلاً في علاقة تفاعلية من طرف واحد، تستند إلى مرجعية «التبعية الكاملة» من النظم الحاكمة، للدول الاستعمارية وقادتها.
فماذا يفعل الحكام في عالمنا الثالث، لتخفيف الضغوط النفسية على ذواتهم؟ الجواب هو: اللجوء بالتداعي إلى قهر شعوبهم حتى التعذيب وإنكار حقوقهم، ومطالبتهم بالانصياع لهم، وإلا فإنّ السجون والمعتقلات والتعذيب بدرجة تفوق ضغوط الاستعمار على أصحاب السلطة هؤلاء! بعبارة أخرى، فإنه بالدرجة التي يمارس الاستعماريون والقوى الدولية المتحكمة في النظام الدولي، القهر على النظم الحاكمة في العالم الثالث، بنفس القدر وأكثر تمارس هذه النظم الحاكمة، ذات القهر على شعوبها إلى حدّ الإذلال!! وتتغاضى الدول الاستعمارية عن الممارسات السلطوية الاستبدادية على الشعوب من هؤلاء الحكام في عالمنا الثالث، بسبب أنها تحقق لها ما تريد، وأنها تابعة تبعية مطلقة لإرادة ومشيئة القادة الاستعماريين!
ولذلك لا يمكن أن نصدق الوعود من القوى الاستعمارية، بأنها راعية لحقوق الإنسان في دول العالم الثالث، وأنها تساند الشعوب، وأنها تفرض العقوبات على بعض الدول تحت هذه الشعارات الخادعة والكاذبة. فما تمارسه هذه الدول الاستعمارية وقادتها، هو القهر والتظاهر بإعلان أسباب خادعة، تخفي بها نواياها الاستعمارية ومصالحها التي لا تريد الإفصاح عنها!
ولعلّ نماذج ما تمارسه هذه الدول الاستعمارية على الدول العصية على الانصياع ولإرادتها وتنفيذاً لمصالحها، (سورية ـ إيران ـ وكوريا الشمالية، وغيرها).
تلك هي المرجعية التي نستند إليها في تفسير السلوك السعودي والذي تؤيده ثلاث دول خليجية هي (الإمارات ـ البحرين ـ الكويت)، ولا تسير معه دولتان هما (قطر ـ عُمان). فالسعودية تقع تحت ضغوط «العُصبجي أو البلطجي» الاستعماري الأميركي، ومطالباته الأسرة الحاكمة بالتنفيذ، وفي كلّ العهود سواء أكان الحاكم جمهورياً أم ديمقراطياً، إلا أنّ نموذج ترامب كان فجاً في الكشف عن مطالبه من النظام السعودي. فقد طلب نحو (500) مليار دولار، من دون مناقشة وفوراً وخلال دقائق، بحسب تصريحات ترامب المسجلة والمنشورة في كافة وسائل الإعلام! ولم يكن أمام النظام السعودي سوى الاستجابة، حماية للعرش والأسرة الحاكمة واستمرارها في السلطة. وقد أعلنها ترامب، مدوية، بأنه لو رفع يده عن النظام السعودي، لسقط فوراً، وخلال أسبوع! فهو يدفع لكي نحميه، ويستمر. ولذلك فقد غض ترامب النظر عما اقترفه النظام السعودي وبخاصة محمد بن سلمان، من جرائم بشعة في حق السعوديين، بل وأفراد الأسرة الحاكمة والعائلة، وأبرز جرائمه قتل جمال خاشقجي (المعارض السعودي)، وخطفه داخل القنصلية السعودية بتركيا، وتقطيع جثته بالمنشار! في جريمة تنتمي إلى عصور ما قبل التاريخ! وعلى رغم توافر كلّ الوثائق حول الجريمة إلا أنه تمّ التغاضي عنها من ترامب ونظامه، مقابل ما حصل عليه من أموال من النظام السعودي، الذي ينتمي إلى عصور قديمة، ويتصرّف على هواه، ومن دون محاسبة أو عقاب، طالما أنه ينصاع إلى أمر السيد الاستعماري «أميركا»! ولذلك فقد اقترف النظام السعودي تحت إدارة ولي العهد محمد بن سلمان، أبشع الجرائم الداخلية ضد الشعب السعودي، بل ضد رجال الأعمال من الأسرة الحاكمة (واقعة إلقاء القبض على الجميع من دون إنذار، وإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم لصالح النظام السعودي، بعدما تعرض لأزمة مالية، وبعد تحويل (500) مليار دولار للبلطجي ترامب، بلا معارضة من ابن سلمان!)، ثم اتجه النظام السعودي بقيادة ولي العهد ابن سلمان، للعدوان على اليمن وبتعاون الإمارات وعدد من الدول المأجورة، وتدميره، تحت زعم أنها عاصفة الحزم، ووافقت عليها إدارة أوباما ثم ترامب، على أساس أنها معركة تستمر لعدة أيام للقضاء على النفوذ الإيراني من خلال «الحوثيين»، كما أعلنوا وبرّروا! إلا أنّ المعركة امتدّت للعام السابع، منذ مارس/ آذار 2015، تكبّدت فيها السعودية خسائر ضخمة وصلت إلى (300) مليار دولار، بواقع (200) مليون دولار يومياً!! حتى أنهكت ميزانية المملكة، وبدأت في الدخول في الاقتراض!
إذن القهر الذي تعرّض له النظام السعودي من ترامب البلطجي الاستعماري الأكبر، جعل هذا النظام يتجه لقهر اليمنيين وتدمير دولة كاملة، ومن قبل التشارك في تدمير سورية والعراق، والآن جاء الدور على لبنان!! وقد وجد المقهورون في السعودية، ضالّتهم، وهم على وشك السقوط النهائي والخسارة الأخيرة في اليمن بسقوط آخر معاقل مآرب بعد تحرير نحو 90 في المئة لصالح قوى الشعب اليمني وجيشه الحقيقي، بأن يستغلوا «ورقة محروقة»، تتمثل في تصريحات لوزير الإعلام اللبناني الإعلامي جورج قرداحي، سابقة على توليه الوزارة بشأن رفضه للحرب في اليمن وطالب بوقفها فوراً، لكي يمارسوا «إرادة مصطنعة وزائفة»، في محاولة استقواء على دولة صغيرة وشعب عظيم، هو الشعب اللبناني، لكي يمارسوا عليه القهر الذي يمارس عليهم، لمعالجة أنفسهم «نفسياً»، وذلك بمطالبة الدولة اللبنانية بإقالة الوزير قرداحي، وإلا فالعقوبات وقطع العلاقات. وهو ما حدث فعلاً، وسار معها كلّ من الإمارات ـ البحرين ـ الكويت، في تظاهرة خليجية غريبة الشكل!! فهم يمارسون الاستقواء على الضعفاء والمنهكين اقتصادياً، ولكنهم تناسوا أنّ في لبنان شعباً أبياً، ويمتلك سيادته وقراره، ولن ينصاع لهذه الضغوطات، ولن يقبل بالقهر الخليجي، بعد فشلهم في اليمن، وفي كلّ معاركهم الإقليمية!!
وقد قالها السيد حسن نصر الله في خطابه بمناسبة يوم الشهيد (11 نوفمبر تشرين الثاني 2021)، وبوضوح: أننا لا ولن نقبل بغير السيادة بديلاً أو خياراً، ولن يستقيل قرداحي، ولن تتم إقالة الحكومة، وسيستمر لبنان عزيزاً قوياً ذي سيادة، ودولة عربية مستقلة، فالسيادة والاستقلال.. هي مبادئ الدولة اللبنانية وشعبها.
ومن جانبنا نقول للإرادة المصطنعة من جانب السعودية والدول الثلاث الخليجية الحليفة، كفاكم استقواء على الضعفاء، وإن أردتم ممارسة الاستقواء الحقيقي، عليكم بمواجهة الشيطان الأكبر الاستعماري المتمثل في أميركا وإداراتها المختلفة، سواء ترامب أو ما بعده، وإلا فإنّ مصيركم مع الطوفان المقبل، وإلى غير رجعة. وتذكروا، أن أسرة شاه إيران، حلت محلّ أسرة حاكمة أخرى، واستمرت إلى أن تفجرت ثورة الشعب الإيراني في 1979، والمستمرة على مبادئها حتى الآن، لعلكم تفقهون!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ