أبو ردينة…
من الرعيل الثاني… تماماً كما تعلّم على يدي أبي عمّار فن الصمود والتحدي… هو يتعلّم على يدي «دعبس» فن الانبطاح والتّردّي… البارحة وعلى شاشة «الميادين» أطاح أبو ردينة وبالضربة القاضية الفنية بنظرية «العبرة بالخواتيم»… وأحلّ محلّها نظرية «العبرة ليست بالخواتيم»… العبرة بالترّهات، فأنت وما تهذي، وليس أنت وما تفعل. ليس مهمّاً أنّ ثلاثة أرباع الضفة الغربية غدت مزروعة بالمستوطنات… وليس مهمّاً أنّ عدد المستوطنين قارب المليون، بزيادة عشرة أضعاف إبّان الرئاسة الدعبسية العتيدة… وليس مهمّاً أنّ القضية الفلسطينية قد نسيت ولا يؤتى على ذكرها إلّا لماماً… وليس مهمّاً أنّ مفاوضات ربع قرن من الزمان أفضت إلى صفر مكعّب… وليس مهمّاً أنّ المقدسات تُنتهك يومياً، والبيوت تهدم على رؤوس أصحابها يومياً… وليس مهمّاً أنّ التنسيق الأمني هو الباقي الوحيد من «أوسلو»… يُنفّذ بالحذافير و «على وِدنو»… وليس مهمّاً أننا نعترف بدولة «إسرائيل» وبلا حدود معنوية أو جغرافية… بينما لا يُعترف بدولتنا ولا بدويلتنا التي لم ولن ترى النور في ما يبدو… ويبدو أنه أُريدَ لها أن تبقى قابعة في منطقة أحلامنا وفي نطاق أوهامنا… كلّ هذا وغيره غير مهمّ… المهمّ هو التصريحات الفارغة والترّهات والشتائم التي لا قيمة لها يتنطّح بها سيد المقاطعة بين الحين والآخر، كيما يحاول ان يوحي «بأنني ما زلت هنا» أيها الأحبّة… ناهينا عن تصريح التنسيق المقدّس الذائع والسيّئ الصيت… وتصريح «أرخص احتلال في التاريخ»… يعني احتلّوا وما عليكم… ثم يتحفنا البارحة «أبو ردينة» بأنّ دعبس قد يواجه مصير أبو عمار، أيّ الاغتيال. كيف يغتال الاحتلال «كنزاً استراتيجياً» بالنسبة إليه… يبرّر ذلك بأنه رفض صفقة القرن… لكأنه يملك خياراً آخر سوى رفضها… إنّ القبول بها هو بمثابة انتحار… والرجل مبطوح بالسليقة… أرادوا منه بدلاً من الانبطاح على ظهره… الانبطاح على بطنه… فرفض لأنه يعلم أنّ في ذلك مقتله … ويعلم أنّ ذلك بمثابة صكّ استسلام لن يرضاه شعبه بأيّ حال… وصكّ الاستسلام لا يقدَّم لإنسان شامخٍ مُتَحدٍّ مقاوم… هو يُقدم إلى إنسان مبطوح، أبدى لعدوه كلّ علامات الانهزام والخنوع وحب المال والحياة الذليلة.
قاتل الله الدولار… كم عمى من القلوب… وكم أضلّ من النفوس… وكم أصمّ من الآذان… وكم أخرس من الألسن.