أخيرة

في عيد التأسيس يشارك القوميون زعيمهم في الإمساك بجمرات النار…*

} الياس عشي

 في السادس عشر من تشرين الثاني، قبل تسع وثمانين سنة، قرًر أنطون سعاده أن يدخل دائرة النار، أن يمشيَ في حقل من الألغام، فأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الخطةَ المعاكسة لوعد بلفور، والردَّ الطبيعي لمعاهدات مشبوهة ظهرت خطوطها الأولى في «بروتوكولات حكماء صهيون»، لم تكن سايكس ـ پيكو أولها، ولن يكون اللهاث باتجاه التطبيع آخرها.

 صدقوني، أيها الرفقاء، أنه ما من حزب أقام الدنيا ولم يقعدها كالحزب السوري القومي الاجتماعي، فمنذ أن تأسّس في العام اثنين وثلاثين بعد الألف والتسعمئة، وحتى اليوم، بقيَ في واجهة الأحداث القومية والاجتماعية والوطنية والسياسية، يتفاعل معها، أو يفعلها، ولكنه ما من مرّة وقف منها موقف المراقب أو المتفرّج أو اللامبالي.

 ومما لا ريب فيه أنّ عقيدة الحزب التي أسس لها الزعيم سعاده إمّا بالكتابة، وإمّا من فوق المنابر، وإما باستشهاده، كانت السبب الرئيس في بقاء الحزب، كلّ هذه السنوات، حيّاً، فاعلاً، ديناميكيّاً، قادراً على تجاوز الأزمات، متجاوزاً المواقف الكيانية الضيقة والآنيّة التي تحكّمت دائماً في أصول ومفاصل الأحزاب الأخرى.

 فالعقيدة القومية الاجتماعية هي عقيدة دستورية تفتقر إليها كلّ الأحزاب، إذ لا حزب على الإطلاق، كما يقول بسام سعد في دراسته «الحزب في مأزق»، لديه دستور ينظم الحياة التشريعية والتنفيذية والقضائية لأعضائه، كما عند الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 والقوميون شُرّدوا، وسجنوا، وعذّبوا أحياناً حتى الموت، وطردوا من وظائفهم، وأعدموا، ولكنهم كانوا، دائماً، كطائر الفينيق، يعودون من جديد، ويُطلّون من مغترباتهم القسرية، مفكرين وأدباء وتجاراً وصانعي قرار، أو يطلّون في ربوع أمتهم أبطالاً غير آبهين بالمخاطر، رافضين كلّ ترغيب يأتيهم من الرياح الأربع.

 ويوم ضاقت بالقوميين السبل، وحوصروا في لبنان والشام، انضوَوا في منظمات فدائية لمحاربة اليهود، منها، على سبيل المثال وليس الحصر، منظمة أيلول الأسود. وإذا قُدّر لهذه الفترة أن تدوّن بإخلاص وموضوعية فإنّ أموراً كثيرة ستتوضّح، منها حضور القوميين اللافت في المقاومة الوطنية اللبنانية، حيث لا مجال للشكّ بأنهم هم المؤسّسون لها وليسوا المنتمين إليها، وأنهم «غيّروا وجه التاريخ» في اللحظة التي أطلق فيها الشهيد خالد علوان رصاصاته في الويمبي، معلناً قيام أسلوب آخر في محاربة يهود الداخل ويهود الخارج.

 ولم يُظلم فريق كما ظلم السوريون القوميون الاجتماعيون، فالظلم جاءهم من الحكام الخائفين على عروشهم، ومن الدول الاستعمارية الخائفة على مصير معاهدة سايكس ـ پيكو، والتي وقّعت، في الأساس، لقيام الدولة العبرية، وجاءهم من الدول الإقليمية التي ترى في الانقضاض على سايكس ـ پيكو انقضاضاً على حدودها الوهمية، وجاءهم من حراس الهيكل الذين يرون في فصل الدين عن الدولة هرطقة وإلحاداً.

 وهذا الظلم كان السبب في عذابات القوميين، ولكنه كان أيضاً الجمرات التي أضاءت عقولهم، وصلّبت إيمانهم، وشدّت قبضاتِهم، وجعلت منهم نموذجاً يُحتذى به عندما يبدأ الحديث عن الحزب السوري القومي الاجتماعي وأعضائه.

 أيها الرفقاء السوريون القوميون الاجتماعيون، إنّ انتماءكم إلى هذا الحزب العظيم هو ترجمة لرغبة فيكم أن تدخلوا، مع المؤسس أنطون سعاده، إلى دائرة النار، وأن تمسكوا بكرات الجمر، وتعملوا من أجل قضية تساوي وجودكم. وأكاد، ونحن نتحلق اليوم في منفذية طرابلس، وبدعوة من مديرية الثقافة التي لي شرف الانتماء إليها، أقول أكاد أسمع أصواتكم المدويّة وأنتم تردّدون:

ـ يا أبناء الحياة لمن الحياة؟

ـ لنا

ـ ولمن نحيا؟

ـ لسورية

ـ تحيا سورية

ـ تحيا… تحيا… تحيا

ـ ومن هو زعيمنا؟

ـ سعاده

ـ يحيا سعاده

ـ يحيا… يحيا…يحيا

صدّقوني يا رفقائي أنني منذ خمسة وستين عاماً وأنا أردّد بفرح هذا النداء، متجاوزاً كلّ الأزمات التي مرّ بها حزبنا، راهنت عليه كي يبقى، وبقي، وسيبقى، وسترون غداً أنّ «تحيا سورية» هي اللازمة التي تعيش بين أهدابنا، وهي القلادة التي ستشدّ من عزيمة الأجيال التي خاطبها سعاده والتي لم تولد بعد، وهي الأيقونة التي سيلتفّ حولها الجميع مهما كابروا، ومهما علا صوتهم من هنا… وهناك… وهنالك.

ولتحيَ سورية، والخلود لسعاده، والمجد لشهدائنا.

*نص الكلمة التي ألقيت في أثناء الاحتفال بذكرى التأسيس الذي أحيته مديرية الثقافة في منفذية طرابلس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى