لبنان ونهاية الدور الوظيفي
} خضر رسلان
كانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور مطلع القرن العشرين، خريطة جديدة لمنظومة دول تمّ ابتداعها في الشرق، والتي تمّ انشاؤها ورسم دورها الوظيفي وفقا لمعايير تخدم بالنتيجة الاستراتيجيات التي رسمتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية، وان كان الهدف الأساسي سلب ثروات الشعوب ومقدراتها، إضافة الى السيطرة على المضائق والبحار حيث مسالك التجارة العالمية فضلاً عن السفن المحملة بالنفط والذي من اجله أقيمت القواعد العسكرية لضمان تنفيذ سياسة الهيمنة والاستحواذ الى جانب حماية الانظمة التي تمارس دورها الوظيفي المرسوم لها وهو حماية المصالح الغربية في المنطقة.
إن اتفاقية سايكس بيكو، أنشأت كيانات سياسية وظيفية لأهداف محددة، ومن ضمن هذه الدول تم إنشاء كيان صهيوني في فلسطين وكيان طائفي موازٍ (لإسرائيل) في لبنان،
ولممارسة هذا الدور الوظيفي كان لا بدّ من وضع الأسس والبنى التى تضمن الإشراف والتحكّم المباشر على الاجهزة الحيوية التي يمكن من خلالها الإطباق على الدولة ولو بشكل غير مرئي.
إنّ أهمّ الأشكال والنظم التي يتحكّم بمسارها ارباب الدولة العميقة في لبنان:
1 ـ النظام الطائفي
2 ـ النظام المصرفي
3 ـ الوكالات الحصرية
4 ـ النظام القضائي (التحكم بمفاصل المواقع القضائية)
5 ـ بعض المواقع الامنية والعسكرية
6 ـ بعض مواقع السلك الديبلوماسي
لقد ارتأى عرّابو الكيان اللبناني الطائفي وضماناً لممارسة الدور الوظيفي، ارتأوا التحكم بمفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية. ونتيجة لاتساع الخلل البنيوي بين نظرية الدولة العميقة القائمة على الاستفراد والهيمنة والإطباق على مقدرات الدولة فضلاً عن محاباة السياسة الغربية، وبين الواقع الاجتماعي والسياسي المناهض والرافض للسياسات الفئوية والطبقية، فقد شهدنا حروباً وفتناً وعدم استقرار جرّاء نظام الحكم القائم على أساس طائفي، ما أدّى إلى دخول لبنان في صراعات بين فترة واخرى كما في عام 1958 وصولاً الى اندلاع الحرب الاهلية التي استمرت زهاء خمسة عشر عاماً (1975- 1990)
وبالرغم من انتهاء الحرب عبر توقيع اتفاقية الطائف عام 1989 والتي تمّ إبرامها نتيجة لظروف اقليمية ودولية كانت تمهّد الأجواء لما يسمّى التسوية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لم يجرِ تسويتها، واستمر الدور الوظيفي للكيان اللبناني قائما، وابرز مصاديقه تفعيل دور النظام المصرفي، بل تمّ التأسيس لتفتيت بنيته الاجتماعية من خلال تعزيز دور الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد المنتج.
من عام 2011 وبداية الاجتياحات التكفيرية المدعومة أميركياً، والتي كان من أهدافها إلغاء كيانات الدول وفق مخطط تمّ وضعه ضمن قراءة استراتيجية جديدة اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية. ووفق ذلك تمّ إلغاء الدور الوظيفي للدول التي نشأت وفق تقسيمات سايكس بيكو وقد أصاب ذلك أهمّ عاملين كانا من أسباب التمايز اللبناني في المنطقة بحيث تمّ ضرب العامل الأول وهو القطاع المصرفي الذي تمّ إنهاء دوره بانتهاء دور لبنان الوظيفي وانتقاله إلى مكان آخر، حتى دور لبنان السياحي، ومعظم الاستثمارات الأجنبية انتقلت منه الى أماكن أخرى وفق الأجندات المرسومة سلفاً، وهذا يعني أنّ دور لبنان الوظيفي قد انتهى.
واستنادا الى العديد من مراكز الدراسات الدولية التي تشير الى انّ انتهاء فاعلية الاتفاقيات التي أنتجت الدول الحديثة على غرار تقسّيمات سايكس بيكو يحتم ذلك الاتجاه الى انظمة جديدة وفق معايير ورؤى تتماشى مع المتغيرات الناتجة عن تبدل الوقائع، وكذك حال الكيان اللبناني، فبانتهاء دوره الوظيفي لا بدّ من إلغاء كلّ مفاعيل الادوار التي انيطت للدولة العميقة بجميع مندرجاتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاتجاه حكماً نحو آليات ومفاهيم جديدة، ويكون ذلك عبر حوار داخلي معمّق ينتج اتفاقاً جديداً يجنّب البلد الهزات المتنقلة من جيل الى آخر، ويقوم على أساس احترام القواعد الانسانية التي اختصرها صوت العدالة الإنسانية الإمام علي بن ابي طالب، كما سمّاه الأديب جورج جرداق، حين قال: الإنسان أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق.