التنقيب في البلوك 9 أولوية قانونية وتقنية ووطنية
تتنقل مسيرة النفط والغاز في لبنان من تعثر إلى تعثر، بعيداً من الجدل القانوني حول توقيع تعديل مرسوم اعتماد خرائط النقطة 29 المعتمدة من الوفد اللبناني المفاوض لتحديد المنطقة اللبنانية الإقتصادية الخالصة، خصوصاً إذا أخذنا بالرأي القانوني القائل بأن مجرد إبلاغ الوفود المشاركة في المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود بالخرائط اللبنانية المعتمدة كاف لحفظ الحق القانوني للبنان بعدم قيام الطرف الآخر بأي إجراءات أحادية إذا أراد المضي بالتفاوض، لأن أي إجراءات أحادية بين أي فريقين متفاوضين ضمن مناطق متنازع عليها ينسف المفاوضات.
التعثر يبدأ من أن الدولة اللبنانية ممثلة بوزارتي الطاقة والخارجية مطالبة بالاستناد إلى الخرائط اللبنانية المعتمدة، بمراسلة الأمم المتحدة والإدارة الأميركية للتحقق من عدم قيام أي عمليات تنقيب أحادية في المناطق المتنازع عليها كواحد من شروط سلامة العملية التفاوضية، التي يجب أن تعتبر ميتة إذا ثبت العكس، ويكون للبنان الحق بالتعويض إضافة للحق بالمثل بالتنقيب في مناطق النزاع وعلى البادئ تحمل تبعات ما ينجم عن النزاع وتصعيده.
التعثر الأخطر هو أن لبنان الذي لزم التنقيب في البلوك رقم 4 قبالة جبل لبنان والبلوك رقم 9 قبالة ساحل الناقورة لكونسورسيوم شركات تقوده شركة توتال الفرنسية، تلقى الصفعة الأولى بتقارير توتال عن لا جدوى من التنقيب في البلوك رقم 4 وهي كما يؤكد الخبراء تقارير منافية للواقع، وخلفيتها سياسية تهدف للتعتيم على ثروة لبنان النفطية وحجبها، بانتظار نتائج محاولات الضغط السياسي الجارية للتضييق على المقاومة والقرار الاستقلالي للدولة، تمهيداً للتفاوض على الترسيم الذي تقف فيه توتال أقرب للضفة «الإسرائيلية».
التعثر يكمن في أن الدولة بوزاراتها المعنية ومسؤوليها لم تلتفت بحجم المطلوب لخطورة امتناع توتال عن بدء التنقيب في البلوك رقم 9 الذي لا تستطيع الزعم بلا جدوى التنقيب فيه، وهو محاط بحقلين واحد تقول سلطات الاحتلال أنه أكبر حقول البحر المتوسط وآخر تقول السلطات القبرصية إنه من أكبر الحقول في المتوسط، بخلاف البلوك 4 الموجود في منطقة تسمى عذراء ويمكن إخفاء ما فيه من ثروات، وتوتال تواصل التهرب من البدء بالتنقيب في البلوك 9 على رغم الاستحقاقات العقدية، وتقدم ذرائع مواربة للتأجيل مثل كورونا وانفجار المرفأ، وهي أسباب واهية لا صلة لها بموضوع التنقيب الذي كان يفترض أن يبدأ قبل شهرين ولا تزال المماطلة مستمرة.
يبدو أن القيمين على الملف يحتاجون إلى جرعة ثانية من كلام الأمين العام لحزب الله عن وجود شركات مستعدة للتنقيب ولا تقيم حساباً لمراضاة «إسرائيل» كحال توتال، كي يأخذوا الأمر على محمل الجد قبل أن يسلك التنقيب مسلك سفن كسر الحصار.
في بلد غير لبنان ويعاني ما يعانيه، ولديه هذه الثروة الهائلة المهملة والمتروكة، يتجمهر الناس بعشرات ومئات الآلاف للضغط على صناع القرار لجعل هذا الملف الأولوية الوطنية الأولى بقياس المصلحة الوطنية والحساب السيادي، الشعاران اللذان يتشدق الكثير من اللبنانيين بهما، لكنهم يحتكمون بالفعل لمعايير مراضاة الخارج واسترضائه ولو على حساب المصلحة الوطنية والمعيار السيادي، فالمهم ألا تغضب واشنطن، لا أن تتحقق المصلحة اللبنانية، ويتحدثون عن السيادة والاستقلال والمصلحة الوطنية، ولبنان ينهار، وحاله حال وصف الشاعر:
«كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول».