الشعب اللبناني في سباق بين الفينيق والبطريق…
} علي بدر الدين
بات من الثابت والمؤكد أنّ البلد دخل فعلياً مرحلة السقوط النهائي التي لا قيامة بعدها، أقله في الآتي من الزمن القريب والمتوسط، وحتى البعيد منه يكتنفه الغموض الذي لا تؤشر مسارات الأحداث والتطورات والتقلبات السياسية، والانهيارات الاقتصادية والمالية والخدمات والمعيشية المتسارعة عكس ذلك، حيث انعدمت امكانية فرملتها وكبح جماحها، بعد أن «فلت الملق»، بفعل فاعلين حاكمين، منكفئين منذ زمن إلى جحورهم وكهوفهم السلطوية والطائفية والمذهبية، وإلى حماية مصالحهم، و»النوم في العسل» على اموالهم المكدّسة في الخزائن ومصارف الخارج، مطمئنين إلى أنه لن يصيبهم سوء ومكروه ومرض، لأنهم محصنون في قصورهم ومحميون بقوة السلطة والمال والنفوذ، وبقبضايات ميليشياتهم الذين يأكلون «رأس الحية» ويقطعون رؤوس من يقترب منهم ويسيلون دمه في الشوارع، وحتى داخل بيوتهم إذا اقتضى الأمر من دون ان يرفّ لهم جفن.
أكثر ما يريح المنظومة السياسية أنّ عائلاتها هي خارج حدود الوطن، وأولادها في أفضل جامعات ومدارس العالم، ولا حاجة للدولار الطالبي، لأنه متوفر لهم حيث هم وبمبالغ ضخمة، جمعوها من خزينة الدولة وأموال الشعب ومن قوته اليومي، ومن الصفقات في المشاريع الوهمية والسمسرات والفساد والتحاصص والسطو على أموال المودعين في المصارف من اللبنانيين المقيمين
والمغتربين
يقول أحدهم، «إذا رأيت فقيراً في بلدك فأعلم أنّ سياسياً سلطوياً سرق ماله وحقه وقوته»، ويقول دستيوفسكي «الأنذال محظوظون دائماً».
الطبقة السياسية التي تتعمّد التخلي عن مسؤوليتها في ما آلت إليه الأوضاع الكارثية في لبنان وشعبه، تريد الهرب «لتزمط بريشها» قبل أن يُنتف ويتطاير في مهبّ الريح، من خلال اللجوء عن سابق إصرار وتصميم، إلى مواصلة نهجها الإفسادي التخريبي والمدمّر، مقدمة لسقوط الدولة وانهيار الشعب من خلال إفقاره وتجويعه وإسقاطه بالضربة القاضية القاتلة، من دون شفقة أو رحمة أو إنسانية، هي معدومة، وليست من شيمها في الأساس، وللوصول إلى غايتها المشؤومة، تصطنع معارك جانبية ووهمية، وتفتعل خلافات وصراعات وتفتح ملفات وتقفل غيرها، وترفع منسوب خطابها الطائفي والمذهبي، الذي هو واحد من علل الشعب، ومن نقاط ضعفه، التي تبني عليها هذه الطبقة، لإدخاله في ملاعبها وساحاتها ومصالحها ومواقعها السلطوية، وفي إعادة انتخابها والتجديد لها، مع انّ هذا الشعب يعلم أنه الضحية وكبش المحرقة، والذي يدفع أثماناً باهظة، رغم ذلك لم يع بعد، ولم يدرك الخطر الذي هو فيه اليوم من فقر وجوع ووجع وذل وحرمان، وكأنه غير معني بكلّ ما يتعرّض له لإزاحته والنيل منه، قصاصا له على جهله وغبائه وإصراره على الارتماء في أحضان من يجلده ويسرق حقه ويسحب اللقمة من فمه وعياله، ومن يتركه يموت كرمى عيون «مافيات» الأدوية وتجار الجشع والطمع والاحتكار والدولار والغذاء والمحروقات والرغيف.
ليس صحيحاً، أنّ ما يحصل اليوم، هو لاستنهاض البيئات الحاضنة الطائفية والمذهبية تحضيراً للانتخابات النيابية، لأنّ ما تفعله الطبقة السياسية هو نهج تعتمده منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولأنّ العادة تقتضي قبل هذا الاستحقاق، تقديم الخدمات لشعبها وتحديداً لبيئاتها والمؤيدين لها، لترغيبهم وإغرائهم وتحفيزهم على الاقتراع لمرشحيها، وليس تقويض عملتهم الوطنية وحرمانهم وتجويعهم، وتشليحهم كلّ حقّ لهم.
… كلّ مسؤول من الطبقة السياسية، يدّعي العفة، ويعتقد أنه يملك النظرة الثاقبة والرأي السديد، ويرى أكثر من أقرانه فيها، وهو وهم لا يرون أبعد من أنوفهم، والصدفة وحدها «ركّبتهم» على صهوة الوزارة أو جواد النيابة أو أدخلتهم في لعبة السياسة «المبهبطة» عليهم.
قال حكيم، «الأكثر رعباً أن تدّعي أنك الوحيد الذي ترى» ومن «تحت إبطه إبرة فلتنخزه وتؤلمه».
يقول المثل الشعبي «المنحوس منحوس ولو علقولو فانوس»، هذا ينطبق فعلاً على الشعب اللبناني المقيم والمغترب، وأينما حلّ وارتحل، وهو أشبه ما يكون بالبطريق الذي هو طائر ولا يطير، يعيش في المحيط المتجمّد، إذا وقف على الشاطئ تأكله الفقمة، وإذا نزل الماء يأكله القرش، وإذا ضاع على الجليد يأكله الدب. إنه مخلوق منحوس مثل الشعب اللبناني، النحس «راكبه» ويلاحقه في لبنان والخارج المتأتي عن طبقة سياسية منحوسة، وتوقع البعض أن يطلب هذا الطائر اللجوء السياسي في لبنان.