مقالات وآراء

البناء المهدّد بالسقوط… والطريق المقطوع الى الدولة!

} فاطمة الموسوي

قال الكاتب الدكتور وفيق إبراهيم (الراحل قبل أقل من شهر) في مقال سابق له في «البناء»: «ما يُصيب لبنان منذ أكثر من عام متواصل تقريباً هو أكثر من كاف لانهيار الكيان السياسي اللبناني وفرار سلطته السياسيّة أو تدميرها على الأقلّ». وأضاف أنّ «الجوع بدأ يضرب أبواب منازل الطبقات الوسطى والفقيرة ويهدمها ولا يحتاج إلا إلى تغطية سياسية من الفرنسيين والأميركيين والسعوديين».

نرى هنا أنّ ما يصيب الطبقة السياسية اللبنانية ليس هو نفسه ما يصيب الشعب اللبناني.. كما أننا نرى بأنّ الطريق الى الدولة الفعلية مقطوع.. الأمر الذي يتطلب العودة الى العقل في استعادة مفهوم الصراع من أجل الخروج من القاع المزدحم بالطائفية والفساد والقتلة المأجورين للمواطنية والهوية الإنسانية ومبادئ القانون والنظام والانتماء والأخلاق…

من هذا المنطلق، لا بدّ من مقاربة الانهيار اللبناني بشكل علمي بعيداً عن التشكيك بالذات أو الطعن بالهويات أو توزيع الاتهامات العشوائية.. خاصة أننا نعيش أزمة هوية منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية.. حيث كانت الولادة قيصرية مريضة غير متزنة ولا متناسقة ولا حتى مترابطة الأجزاء.. وهنا يمكننا الحديث عن البناء الكلي الوهمي لدولة مجزأة مقسمة على قياس الطوائف.. كما أنها مقسمة على قياس الدول الحاكمة والمتحكمة والمحركة لكلّ عناصر تخريبها.. ما جعلتها دولة تابعة غير مستقلة بكلّ شؤونها السياسية والاقتصادية والمالية…

هذا البناء الكلي للدولة المهدّد بالسقوط بشكل كامل.. يمكن مقاربة عدم سقوطه علمياً انطلاقاً من نظرية البناء الوظيفي التي تَنظُر للمجتمع على أنَّه بناء كُلّي، يتكوَّن من مجموعة من الأجزاء المترابطة، وكُلّ جزء له وظيفة يُؤدّيها للمحافظة على استمرارية المجتمع، وجميع هذهِ الأجزاء تَتعاون في ما بينها لتلبية الاحتياجات الأساسية، ومن خلال ذلك يَميل المجتمع إلى التوازنِ والاستقرار.

وعليه، نرى بأنّ الأجزاء اللبنانية المبعثرة تتمثل بالمكونات الطائفية التعصّبية من ناحية ومن مجموعات مشتتة الانتماءات والولاءات تعيش على أرض لبنان ولكنها لا تتمتع بحسّ المواطنية من ناحية أخرى.

تجدر الإشارة هنا، الى أنّ جمع هذه الأجزاء لا يمكن ان يتمّ إلا انطلاقاً من أهداف وطنية واضحة المعالم.. أولها إلغاء الطائفية السياسية والتحوّل نحو المجتمع المدني اللاطائفي.

أما الوحدات البنائية للمجتمع اللبناني التي تتألف من المعايير والأدوار والنُظم والقِيَم والجماعات والمؤسّسات الاجتماعية، فما عليها الا ان تقوم بوظائفها بعيداً عن الطائفية والزبائنية والمصالح الضيقة في مواجهة الأزمات وتلبية الحاجات الضرورية للمجتمع ليتحقق التوازن. ويَتشكّل الفِعل الاجتماعي في ضوء المعايير والأدوار والنُظم، بحيث يبدو لهذا الفعل بناء له طابع الاستقرار النسبي.

في هذا السياق، لا يقتصر الفعل على الدولة ولا على الجماعات والأحزاب والجمعيات فقط.. بل يجب أن يبدأ من الفرد الذي يقوم بواجباته الإنسانية والأخلاقية في إطار نظام اجتماعي كلي، ويتمثّل دور الفرد في البناء انطلاقاً من الإيمان بالدولة والانتماء الفعلي اليها وتقديم كلّ ما من شأنه أن يساعدها في النهوض والمواجهة.. كما عليه ان يتمتع بمجموعة من الظواهر السلوكية التي تعكس حسّ المسؤولية والوطنية والتي تترك أثراً إيجابياً في عملية إعادة البناء وتجميع الأجزاء المشتتة في النَسق الوطني الاجتماعي الكلي الذي يحويه…

تأسيساً على ذلك، لا بدّ من الانطلاق من الذات الى المجتمع مروراً بكلّ التجارب والأفعال والمهارات والأعمال التي تثقل الإنسان بالقيم الوطنية.. وهذا الأمر ينطبق على كلّ شرائح المجتمع وفئاته.. من الأطفال الى الشباب فالنساء.. كلّ فئة لها أهميتها ودورها في بناء مستقبل البلد.. وبالتالي لها وظيفتها في عملية البناء.. حيث لا يمكن الاكتفاء بتوزيع الأدوار والأولويات دون الفعل الحقيقي وتنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة من أجل التأسيس والاستمرارية…

نخلص الى السبب الذي دفع أرسطو إلى أن يجادل بأنّ الكائنات الانسانية مفطورة على أن تعيش في تجمّعاتٍ من جنسها. وأمّا من اختار العيش خارج نطاق الدولة ـ المجتمع، فإما أنه مخلوق بائس أو كائن أعلى من البشر ـ كما يرى أرسطو…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى