شعب نائم وسلطة لا تستفيق إلا على جرس الانتخابات
} علي بدر الدين
لم تشفع الطبقة السياسية الحاكمة بكلّ مكوناتها ومنظوماتها ومسمّياتها وتوجهاتها، لحال الشعب اللبناني الفقير والجائع والضائع والمغرّر به منذ عقود، بعد أن أشبعته، طعاماً دسماً ومسموماً بالطائفية والمذهبية والعنصرية والحقد والكراهية والغرائز والتعصب الأعمى، حتى التخمة المخدّرة التي فعلت فعلها وأنتجت خضوعاً وخنوعاً واستسلاماً ونوماً عميقاً، لم يستفق منه رغم الحروب والصراعات والكوارث والمصائب التي حلت به، والأثمان التي قدّمها على مذابح مصالح المنظومة السياسية، ومن أجل بقائها وديمومتها، وإعادة إنتاجها، كلما حان وقت أفول نجومها، ويبدو أنه لا يزال على قناعاته المزيفة، بأنّ خلاصه مما هو فيه من فقر مدقع وجوع وأمراض قاتلة، ومن قهر وذلّ وبطالة وحرمان، لن يتحقق إلا على أيدي من محضهم ثقته كلّ هذه العقود وصفق لهم، وحملهم على الأكتاف والأكفّ والراحات، وصدحت حناجره وبحت أصواته، ليعلن على الملأ انه يفديهم بالروح والدم وبالغالي والنفيس كرمى عيونهم واستمرار تسلطهم وتسيّدهم عليه حتى آخر العمر، حتى لو احترق بنار الأسعار والغلاء الفاحش، وانهيار الاقتصاد والعملة وانعدام الخدمات وفرص العمل، والدواء والاستشفاء والتعليم والكهرباء والماء والأمان، ولو تشرّد وتهجّر وهاجر واستوطن الفقر في بيته، وجاع أطفاله او تيتموا، أو انتفخت بطونهم من القلة وسوء التغدية. المهمّ أن تبقى أنفاس الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، تزفر بالدفء وان يبقى «خيرها» متدفقاً لتراكم ثرواتها المكدّسة، وحتى لا ينكسر «ولي نعمته» أمام شركائه في السلطة والمال والفساد والتحاصص، وليس مهماً ان يفقر الشعب العظيم او يجوع او يمرض ويذلّ ويحرم من حقه في العيش والحياة، ولسان حاله يقول، يكفي أن نرى مسؤولينا وقادتنا وأولياء نعمتنا ومعلمينا، أقوى وأثرى من شركائهم الآخرين، وتكفينا مواقفهم ووعودهم واكاذيبهم وألاعيبهم، التي تبقى زادنا الذي لا ينضب حتى الرمق الأخير، وسنكون الصوت القاطع لهم في الانتخابات النيابية الموعودة، إذا ما حصلت في موعدها، وسنقترع لمن جلدنا وسرقنا وخاننا وحرمنا وأذلنا وامتصّ دمنا، لأنّ الوفاء متأصّل فينا والخيانة ليست في قاموسنا ولا من شيمنا، ولن ننقلب على قسمنا بالولاء لهم.
هذا عهد منا إلى طبقتنا السياسية التي تتصارع من أجل تحصيل حقوق الطائفة والمذهب والمنطقة، على قاعدة المثل الشعبي، «زوان بلدنا ولا القمح الصليبي».
يُروى، أنّ موظفاً قبض راتبه وصعد الباص المزدحم بالركاب، ولم يكن يدري انّ هناك لصاً يراقبه وقرّر سرقة راتبه، واكتشف الأمر بعد أن حضر الجابي ليأخذ ثمن التذاكر، ووصل إلى الموظف، الذي بحث عن أمواله في جيوبه فلم يجدها، وحصلت مشادة بين الجابي والموظف وبلبلة بين الركاب الذين انقسموا ما بين متعاطف ورافض لما يحصل، واللص مرتاح في مقعده، إلى أن تدخل ليفض النزاع، وقد أخذته «المروءة والشهامة»، وقال بثقة زائدة «أنا أدفع ثمن تذكرة الراكب»، فصفق له الركاب ودعوا ان يبارك الله به وبأمواله ويكثر من أمثاله، وشكره الراكب المسروق على صنيعه وكرم أخلاقه معه وإنقاذه من ورطته.
هذا ما ينطبق على حال الشعب اللبناني، مع اللصوص الذين سرقوا أموال الدولة ومقدراتها وأفلسوها، وكذلك أموال المودعين في المصارف، ثمّ يعطونه من «الجمل أذنه» أو كرتونة إعاشة، او وعد ببطاقة تمويلية، قد لا تبصر النور، إذا تأجلت الانتخابات النيابية، يعني من» دهنو قليلو»، وبدعاء الشعب لهم ازدادت أعدادهم وتراكمت ثرواتهم التي جمعوها بطرق ملتوية أو مباشرة و»على عينك يا شعب».
قرأت أنّ الحلزون (من الزواحف ) يستطيع أن ينام ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات، ويأتي في المرتبة الثانية بعد النواب الذين دخلوا كتاب «غينيس» للأرقام القياسية في أطول نومة، (باستثناء نومة أهل الكهف) حيث ينامون لمدة أربع سنوات كاملة، ولا يستفيقون إلا في موعد الانتخابات النيابية.
نوماً هنيئاً… على أمل النومة السياسية الأبدية التي لا استفاقة بعدها، إذا ما قرّر الشعب إحداث التغيير الذي يبدو أنه مؤجل حتى إشعار آخر…