عندما ينتفض الأردن ضد التطبيع
ناصر قنديل
– بخلاف ما يظنه الكثيرون الذين لا تبهرهم إلا الدول التي تملك أموالا طائلة، يحتل الأردن موقعاً مؤثراً في خريطة الجغرافيا السياسية والاقتصادية والأمنية للمنطقة، فقد قام مشروع الحرب على سورية على ركيزتين في الجغرافيا هما تركيا والأردن، وعندما خرج الأردن من الحرب اختل التوازن وبدأ أفول الحرب، أما مشروع التطبيع فيعتمد على الأردن كبيضة قبان، فالأردن هو المعبر الجغرافي للتطبيع الاقتصادي بين الخليج وكيان الاحتلال، حيث لا معنى للتطبيع الا باكتمال خطة نقل النفط الخليجي عبر الأردن .إلى ساحل المتوسط في فلسطين المحتلة، وتأمين خطوط نقل السلع التجارية .إلى الخليج من مرافئ فلسطين المحتلة على المتوسط، ولا يستقيم التطبيع إلا بتفكيك المشرق أو بلاد الشام، ولذلك كان الأردن ركيزة ما سمي بمشروع الشام الجديد الذي يضم العراق ومصر ويتوسطه الأردن، لتأمين بيع الغاز والكهرباء من مصر إلى العراق، فتنتعش مصر ويفصل العراق عن إيران.
– قدرة الأردن على تحمل تبعات التطبيع شعبياً وسياسياً هي ما يخضع لمقياس الضغط بصورة مستدامة لمعرفة درجة الأمان في السير بالخطوات المكلفة للاستثمار في خطط التطبيع الطويلة المدى، كأنابيب نقل النفط وخطوط تجارة الترانزيت، لذلك كانت الخطة الأولى هي تأمين عائدات للمواطن الأردني من مشروع التطبيع لضمان اشتراكه بالاستفادة، وفقاً لما يسمى برشوة الشعوب لإشراكها بالخيانة أو الاستعمار، وهذه هي وظيفة المشروع الممول تحت عنوان التطبيع لبناء مزارع توليد الطاقة الجديدة النظيفة من الشمس، في الصحراء الأردنية وبيعها لكيان الاحتلال، مقابل شراء كميات من المياه المحلاة التي تنفذها مشاريع يمولها ذات البرنامج ضمن إطار التشجيع على التطبيع، ولم يكن أحد من القيمين على المشروع ليضع في حسابه أن يتعرض البرنامج لحملة احتجاج شعبية تعادل الانتفاضة تجعله موضع إعادة نظر، في ضوء خروج الآلاف من الأردنيين في تظاهرات رفض التطبيع، ما تؤشر عليه نحو المستقبل.
– عندما يخرج الأردنيون رفضاً لمشاريع التطبيع المصممة لكسب ودهم ورضاهم، بالتالي صمتهم على ما سيليها، وما يطلب إليهم حراسته وتوفير أمنه من مشاريع عملاقة لاحقة، فهذا يعني نسف فرص قيام هذه المشاريع، التي لا يمكن حمايتها إلا بالاستقرار، فمسار مئات الكيلومترات لأنابيب النفط وقوافل التجارة وباصات السياح، لا يمكن حمايته بنشر مئات آلاف الجنود على المسار، بل بخلق بيئة متصالحة مع المشاريع توفير الاستقرار السياسي والأمني، وهذا ما فشل بالأمس فشلاً ذريعاً، وما ليس بالإمكان تجاهل فشله وتجاوزه والسير بالمشاريع التي يصبح التطبيع من دونها أقل قيمة ومردود، وتموت تطلعات أصحابه للشراكات الاستراتيجية المربحة، وهذا يعني بالتوازي صرف النظر عن مشاريع ضمان أمن التطبيع عبر صيغة الشام الجديد، التي تضم الأردن والعراق ومصر.
– النهوض الشعبي الأردني بوجه التطبيع ليس غريباً على الأردن، بقياس المواجهات التي خاضها الأردنيون مراراً بوجه حلقات متعددة منذ اتفاق وادي عربة، وكانت الدعوة لإقفال سفارة كيان الاحتلال أحد تجلياتها، ورفض اتفاق الغاز بين كيان الاحتلال والأردن احد محطاتها، لكن منذ معركة سيف القدس ينمو في الأردن مناخ مشابه للمناخ الفلسطيني، حيث تتصاعد الآمال بخط المقاومة وقدرته على تحقيق المزيد من الإنجازات، وبسبب التداخل التاريخي بين الفلسطينيين والأردنيين نسبة الفلسطينيين المقيمين في الأردن وحاملي الجنسية الأردنية بينهم يصعب الفصل بين الخيارات الأردنية الشعبية ونهوض القضية الفلسطينية، ويبدو أن مسار التطبيع الذي بني على فرضية ضمان التموضع في الأردن كبيضة قبان ضامنة للنجاح سيجد مقبرته في الأردن.