حتى لو نجحت مفاوضات فيينا النووية أميركا و«إسرائيل» ستحاربان إيران والمقاومة في سورية ولبنان
د. عصام نعمان*
بعد توقّفٍ دام نحو خمسة أشهر، تعود اليوم الدول الخمس الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015 إلى التفاوض مع إيران في محاولةٍ لإحيائه وسطَ تحديّات جمّة أبرزها خمسة:
ـ إصرارُ الولايات المتحدة، بمساندةٍ ديبلوماسية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، على اشتراط عودتها إلى الاتفاق بالتزام إيران القيود التي ينصّ عليها أصلاً فيما ترفض إيران.
ـ في المقابل، تصرّ إيران على رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها كشرط لعودتها إلى التزام بنود الاتفاق، مع تعهّدٍ من الولايات المتحدة بعدم الخروج منه لاحقاً مكررةً فعلة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ـ إبداء الوكالة الدولية للطاقة الذرية قلقها من أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 في المئة بلغ 17.7 كيلوغرام، كما قلقها من قيودٍ تعرقل وصول مفتشيها لإجراء الرقابة على مواقع إيران النووية.
ـ ضغوط «إسرائيل» المتصاعدة على الولايات المتحدة لعدم إحياء الاتفاق النووي وتهديدها بمهاجمة إيران التي باتت في ظنّها على عتبة التحوّل دولةً نووية.
ـ تحذيرٌ أطلقه قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي بأنّ «القوات الأميركية مستعدة للخيار العسكري في حال فشل المفاوضات النووية في فيينا، وأنّ إيران باتت قريبة جداً من صنع سلاح نووي، وقد أثبتت أن صواريخها قادرة على ضرب الأهداف بدقة».
لا يمكن التكهّن مسبقاً بنجاح مفاوضات فيينا أو فشلها. لكن يمكن توقع ما ستفعله الولايات المتحدة و«إسرائيل» سواء نجحت المفاوضات أو أخفقت، وذلك في ضوء واقعات وتطورات ومواقف معلنة تتعلق بالأمن القومي وبمصالح هاتين الدولتين في الإقليم.
ثمة موقف لافت لقياديين وخبراء استراتيجيين «إسرائيليين» مفاده أن حجم المشروع النووي الإيراني ما زال محدوداً ويتيح إنتاج أجهزة تفجير نووية قليلة ما يستوجب إعطاء الأولوية لمعالجة هذا التهديد المباشر الآن لأنه أسهل على المعالجة بالنسبة لـِ «إسرائيل»، بالتالي وجوب القيام به لكون قدرة إيران على الدفاع عن منشآتها النووية في وجه عمليات سرية وهجمات سيبرانية أو تقليدية وإلحاق ضرر فادح بـِ «إسرائيل» ما زالت محدودة (راجع مقالة يوسي كوفرفاسر، الباحث في «مركز القدس (المحتلة) للشؤون العامة والسياسة»، 17/11/2021). غير أن الباحث نفسه يقول إنه سمع، خلال زيارةٍ إلى واشنطن، «رسالةً واحدة من أعضاء الكونغرس: لا تعتمدوا على دعم أميركي ولا على عملية أميركية مباشرة. أنتم وحدكم، افعلوا ما تعتقدون أن عليكم فعله».
في ضوء هذه الواقعات والمواقف، ماذا عساه يعني كلام الجنرال ماكنزي بأنّ القوات الأميركية مستعدة للخيار العسكري في حال فشل المفاوضات النووية في فيينا؟
يُستخلص من تصريحاتٍ ومواقف أدلى بها مسؤولون أميركيون أن إدارة بايدن لجأت إلى لغة التهديد عشيةَ استئناف مفاوضات فيينا بقصد حمْل إيران على تليين موقفها في المفاوضات، لكن موقف أميركا المرجح يبقى العودة إلى الاتفاق النووي وفق شروط تؤمّن مصالحها من دون أن تستفز إيران. مع ذلك، لا يمكن استبعاد لجوء واشنطن إلى خيار عسكري أكثر حدّة مما تقوم به حالياً ضد إيران وحلفائها.
لنفترض أن مفاوضات فيينا أخفقت، ماذا تراها تفعل كلٌ من الولايات المتحدة و«إسرائيل»؟
ظاهرُ الحال يشي بأنّ سلوكية واشنطن ستكون المزيد من الشيء نفسه، أيّ المزيد من الهجمات السيبرانية والتقليدية، لكن بوتيرةٍ أعلى ضدّ إيران وحلفائها، لا سيما في لبنان وسورية والعراق.
مثلها ستفعل «إسرائيل» لكن بوتيرة أشدّ سخونة ضدّ أطراف محور المقاومة، لا سيما سورية وحزب الله في لبنان وحركتي «حماس» والجهاد الإسلامي في فلسطين. طبعاً لا يجوز استبعاد لجوء «إسرائيل» إلى هجمة صاروخية وجوّية مركّزة ضد منشآت إيران النووية بقصد شلّها، لكن ذلك يبقى مشروطاً بدعم من الولايات المتحدة مداورةً أو مباشرةً، وهو أمر يبدو مستبعَداً في الوقت الحاضر.
غير أن ثمة ظاهرة لافتة في نظرة الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى حزب الله و«حماس». ذلك أن الولايات المتحدة، ومثلها دول الغرب عموماً، باتت تصنّف حزب الله قوةً إقليمية وأنه يُسهم، بدعمٍ من إيران، بدورٍ فاعل في سورية وفلسطين واليمن ناهيك عن دوره ونفوذه في لبنان. لذا تتشدّد واشنطن في فرض عقوباتٍ اقتصادية على كل مَن تعتبره شريكاً أو نصيراً فاعلاً لحزب الله، لا سيما في مجال الدعم المالي.
إلى ذلك، وسعّت واشنطن حملتها إقليمياً وعالمياً بغية اعتبار حزب الله منظمة إرهابية والتشهير بمن يدعمه مالياً أو يتعاون معه سياسياً.
«إسرائيل»، كأميركا، تتخوّف من تعاظم قوة حزب الله، لكنها تتفادى مهاجمته عسكرياً بصورة مباشرة لخشيتها من تطور الصراع إلى حربٍ مفتوحة يعرف قادتها السياسيون والعسكريون أن حزب الله لديه من القدرات الصاروخية ما يمكّنه من تدمير أقسام واسعة من بنيتها الاقتصادية والعسكرية داخل خاصرتها الرخوة: الجبهة الداخلية ومنشآت النفط والغاز البحرية.
فوق ذلك، تخشى «إسرائيل» من تنامي قدرات حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي، لا سيما في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 ونجاحهما في تثوير الجمهور وزجّه في عمليات مقاومة يومية للعدو الصهيوني. كما تخشى إسرائيل، ومثلها أميركا، من حيازة كلٍّ من حزب الله و«حماس» والجهاد الإسلامي قدرات متقدمة لتصنيع طائرات مسيّرة واستخدامها بفعالية. والجدير بالذكر في هذا المجال أن الأميركيين يرجّحون بأن قصف قاعدتهم العسكرية في التنف الكائنة جنوب شرقي سورية على مقربة من الحدود مع العراق والأردن قد تمّ قبل أيام بواسطة إحدى المسيّرات، وإن كانوا أغفلوا حتى الآن الإشارة إلى ما إذا كانت هويتها سورية أو لبنانية (حزب الله) أو تابعة لإحدى منظمات المقاومة المدعومة من إيران.
غير أن أكثر ما يخشاه اللبنانيون في هذه المرحلة المفصلية أن يبذل العدو الصهيوني جهوداً أعظم في سعيه الدؤوب لتفجير حربٍ أهلية في البلاد يكون من شأنها، في ظنه، حمْل حزب الله على الاستدارة لتركيز جهوده في الداخل ما يؤدي إلى تقليص اهتمامه بمقاومة «إسرائيل».
لكن، بمقدار ما تعي القوى الوطنية الحيّة في لبنان هذا التحدي الخطير وتقوم بمواجهته بمقدار ما تكون فرصة العدو الصهيوني للنيل من وحدة الشعب والبلاد محدودة إن لم تكن معدومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ