يسألونك عن «فيينا» ومآلاتها قل إنها حرب عالمية باردة…
محمد صادق الحسيني
في تعليق سخيف وفاضح لكنه لافت يستهدف تسطيح عمق التحولات الجارية في طهران، لا سيما في فريق التفاوض النووي الجديد بتشكيلته المتنوعة والمتخصصة ورئاسته المتمثلة بالسيد علي باقري كني، كتبت صحيفة «شرق» الإيرانية النيو ـ ليبرالية الميالة للغرب عن باقري قولها:
«إنه من زمن سبعينات وثمانينات القرن الماضي فهو لا ينظر إلى النساء الزميلات بشكل مباشر (حتى لا يخضع لهن بالقول)… ويناديهن بالأخوات»!
لكن الصحيفة معها حق في مكان آخر… انه زمن مختلف فعلاً وحقاً وموازين مختلفة تماماً ورجال متفاوتون هم الذين يتفاوضون الآن في فيينا مع الغرب، ومع الدول الأربع المتبقية من جماعة الاتفاق النووي.
نعم باقري هو فعلاً من ذلك الزمن الثوري الجميل الذي كان يعتبر مبادئ الثورة وقيمها مقدّسة ولا يزال.
وهو يفاوض الآن بهذه الروح الثابتة والمفعمة بالعزة الدينية والوطنية الإيرانية، وهو يعرف منذ أن كان يعمل مع سعيد جليلي مسؤولاً عن العلاقات الدولية في مجلس الأمن القومي الأعلى بأنّ التفاوض مع الغرب كان ولا يزال وسيبقى من أجل:
انتزاع حقوق إيران المشروعة من حلقوم الغرب، أيّ «رفع كل العقوبات الظالمة عن إيران بشكل كامل ومرة واحدة» مقابل قبول إيران بكلّ تلك التعهّدات التي أجبرت عليها في الاتفاق النووي الحالي المعروف.
وبالمناسبة فإن هناك 3 أنواع من العقوبات قد فرضت على إيران منذ أيام كلينتون وأوباما ثم أضيفت إليها عقوبات أيام ترامب، وهي المعروفة بعقوبات «فيزا»، عقوبات «كاتسا»، عقوبات «آيسا»…
ما يعني أن إيران إنما لجأت إلى التفاوض مع الدول الكبرى بهدف رفع كلّ هذه العقوبات، وعليه فإنّ عدم رفعها كما تعهّد الغرب المخادع والمخاتل لا سيما الأميركي منه بعد الاتفاق خلافاً لتعهّداته، وخروج رئيس أكبر دولة فيه من الاتفاق هو المشكلة وليست خطوات إيران المستحدثة، كما يحاول الإعلام المزيّف الغربي وأذنابه اليوم تصوير المشهد.
وعودة إيران اليوم بحِلّة باقري إلى طاولة المفاوضات هي محاولة أخيرة من جانب طهران لإجبار الغرب على:
الانصياع (لا سيما الأميركي) لقرار رفع العقوبات بكلّ أشكالها بحسب نص الاتفاق الذي خرج منه الرئيس الأميركي متمرداً.
مع إلحاق بندين إضافيين هما من تداعيات انسحاب واشنطن منه وهما:
1 ـ دفع الخسائر التي لحقت بإيران خلال هذه المدة والتي تقدّر بنحو مائتين وأربعين مليار دولار.
2 ـ تعهّد واشنطن بعدم الخروج منه مرة أخرى.
كلّ ما عدا ذلك لا يهمّ إيران لا من قريب ولا من بعيد.
أما أوروبا الذيلية والجبانة والمنافقة في سلوكها مع إيران فهو أمر أوضح من أن يُشرح لأنها عملياً لم تفعل سوى أنها لحقت بواشنطن بكلّ خسّة.
وفي ما يخصّ كلّ الإجراءات التي قامت بها إيران خلال الفترة المنصرمة ـ أيّ بعد خروج واشنطن من الاتفاق ـ كتخصيب اليورانيوم بنسب متفاوتة وغير ذلك… فهو جزء من حقوق مكفولة ومنصوص عليها في الاتفاق نفسه تعطى للطرف الذي يتعرّض للغدر وهو بهذه الحالة إيران.
الغرب المتذاكي سيحاول في جولة فيينا الحالية الاحتيال مجدّداً بالقول: نحن نعود للاتفاق مقابل تخلي إيران عن كلّ إجراءاتها المستحدثة.
لا يا سادة…
عودوا إلى الاتفاق أولاً، وارفعوا العقوبات كاملة ثانياً، ولنتحقق من رفعكم العقوبات ثالثاً، ومن ثم نفاوضكم على الـ 60 في المئة تخصيب كأقصى تنازل تحلمون به.
في غير ذلك فإنّ طهران جاهزة لمغادرة حتى الملحق التطوعي الإضافي الخاص بمعاهدة حظر التسلح النووي (npt).
وأما أحلامكم في انتزاع وعود إيرانية في التفاوض معكم مستقبلاً ـ بعد أشهر مثلاً ـ حول موضوعات مثل منظومة الدفاع الصاروخية أو دعم وإسناد حركات التحرر في المنطقة من فلسطين إلى اليمن وغيرها… فهذا حلم إبليس في الجنة!
هذا هو باقري فيينا باختصار شديد الذي لن يعجبكم أنتم الليبراليون الجدد، لا القاطنين في أميركا وأوروبا ولا القاطنين في طهران من حزب المرجفين الذين يحاولون السخرية من قيمنا الإسلامية والوطنية الخالدة تحت حجة كلّ قديم بالٍ وكلّ جديد تقدمي.
ثم لا تنسوا أنتم جميعاً بأن لدى باقري مرجعية محكمة وواضحة في كلّ ما سيقوله وما سيوافق عليه أو يمتنع عنه في فيينا، ألا وهو الإمام القائد السيد علي الخامنئي الذي لطالما قال: «إنّ مفتاح الحلّ ليس في لوزان ولا جنيف ولا نيويورك وإنما هنا في طهران.»
نعم وهذا ما يمارسه بفطنة وحنكة عالية الرئيس السيد إبراهيم رئيسي في أكثر من ميدان .
الاتفاق الاستراتيجي مع الصين،
الاتفاق الاستراتيجي مع روسيا،
الاتفاق الاستراتيجي مع آسيا الوسطى والمركزية،
وآخر خطوة كانت في قمة تركمانستان عشق آباد – نفط – غاز- مياه.
إنّ محطة فيينا الراهنة هي الحلقة الأخيرة من مشهد ما قبل المواجهة المرتقبة.
فأميركا تكذب بأنها تريد العودة إلى الاتفاق القديم هي تريد اتفاقاً جديداً.
أوروبا ذيلية وتابعة ولا تريد العودة أيضاً.
إيران وحدها هي المتمسكة بهذا الاتفاق من أجل انتزاع جزء من حقوقها في رفع العقوبات، وعليه فإنّ الغرب الآن أمام خيارين أحلاهما مرّ:
نعم إما أن يخضع ويقرّ في فيينا بحقوق إيران المشروعة.
أو إننا ذاهبون إلى التصعيد والمواجهة طويلة الأمد،
المواجهة ستكون بالنقاط ولن تتمكّنوا منا بأي ضربة قاضية.
كما نحن لن نقدر أن ننهيكم بها.
ستكون حرباً عالمية باردة قصيرة الأمد.
كلّ موازين القوى في الميدان تشي بأننا نحن الرابحون لهذه المواجهة، مع أصدقاء لنا في منتدى شانغهاي ودول العالم الحر الذين يتزايدون.
فيما أنتم ستغورون في عزلتكم. وتجبرون على العودة إلينا تتوسّلون اتفاقاً من نوع آخر هذه المرة، ويومها سيكون فتحنا فتحاً مبيناً كبيراً.
هذه ليست أمنيات متفائل زيادة عن اللزوم، هذه معلومات وتحليلات علمية، حتى أنتم أيها الغربيون تعرفونها جيداً ولكنكم تكابرون.
نحن ننزف نعم، ولكنكم أنتم تنزفون أيضاً، والفرق بين النزفين كبير، نزفكم نزف احتضار، فيما نزفنا نزف ولادة.
بعدنا طيّبين قولوا الله…