من بدايات العمل الحزبي
} الأمين الدكتور شوقي خيرالله
في ذلك الزمان ـ الأربعينات من القرن العشرين، كان مركزُ الحزب أشبهَ بمستودع في طابق أول معتم في سوق الطويلة، من مبنى قروسيطيّ ذي درجٍ مستدير مُعتم مثل أدراج المنارة. أسميناه «البونكر»، وكان مؤلفاً من علّية ومن غرفة داخلية.. العلّية هذهِ كانت عاصمةُ لبنان والشام وجميعَ سورية، وعاصمةُ عبر الحدود أيّ الدنيا كافةً، وأمّا الغرفةُ الداخليةُ فاسمُها (دارُ العالمُ العربيّ). ومن كليهما – البونكر، ودار العالم العربي ـ تشعُّ أنوار النهضةُ إلى أقاصي البلادَ والعالم، بِرُغمِ الحربِ الكونيةِ المحتدمةِ وبِرُغمِ انقطاغِ المواصلاتِ حتى بينَ بيروت وبحمدون، فالنهضةُ تَعبرُ القاراتَ بأمرٍ حزبيٌّ خام، مثل السنونو.
هناك اعتقلَنا توقُ العملُ، وكاملُ بوكامل، وقيادةُ الحزبِ: أنا وسعيد عبد الملك، ووليد تويني، وجورج بشور، وعفيف الهبر، واسكندر صفا.
وأضيفوا إلى الورشة: جبران حايك، فوزي معلوف، رفيق شاهين، بيار دكاش، حسن مرتضى، سليم صبّاغ، محمود عمّار، حسن الزين، اوغست باخوس، حلمي معلوف، غسان تويني، فؤاد سليمان، أنطون كرم، فايز صايغ، يوسف بوعلوان، وديع الأشقر، يوسف الخال، مسعد حجل، جورج ربيز، فكتور كلارجي، جورج نصّار، ميشال التركي، عادل الشعّار، بهجت خولي، كمال خولي، رجا خولي، حسن ريدان، منصور عازار، عبداالله مِحسن، وشريف الحُسيني(1)، وأكثرهم أقدمُ منا..
كان أستاذُنا وموجُّهُنا الأولُ فريد مبارك وفكتور أسعد، فريد هو مُدرّبنا المهني والثقافي العملاني الأولُ والفعليّ. وفكتور هو مُدرّبُ الجميع، بالمعنى الميليشي المنضبط.
العمل الأصلي: مراقبةُ الصحافةُ بأمرٍ مُباشرٍ من رئيسِ الحزبِ نعمة تابت. والعمل الآخر تدرّب لإصدارِ نشرة عمدة الإذاعة ونشرة عمدة الثقافة، بإشراف الأمين نعمة تابت رئيس الحزب، وبتدريب من فريد مبارك وجبران جريج. وكان مفوّض التحرير في كليهما شوقي خيرالله، ويا ما تَسمّرت تلك الفترةُ، في ذاكرتنا جميعاً، وحتى اليوم.
ثُمَّ زادَ على هذهِ المهمة «مكتبُ الإذاعة للرأي العام» الذي سُرعانَ ما أصبح إدارة للإذاعة الشّعبية المُكافحة في الأسواقِ، وأيضأ لتأديب من ليسَ تعجبهُ إذاعتُنا من بقيةِ الأحزابِ، وبَطَلُ هذهِ الزّمرةُ كانَ محمد ارناؤوط(2) وثُمَّ زُمرة بعدَ زُمرة من مديرية بيّاعي الجرائد، والعتّالة والزّبالة، وَحُماتِهم من عدوانِ هذا أو ذاكَ، هذهِ المديرية المتنوعة أعجبت الزعيمْ حالَ وصوله فانتمى إليها وكانَ مُديرُها محمد أرناؤوط، و «مُدرّبها» الكومودور البحري فرنسوا غُصن، الزعيمْ مارسَ فيها وظيفة المذيع، والمُحصّل عبد الرحمن البشناني.
إحتارَ فريد مبارك بماذا يبدأ وماذا يُعلّمُنا، وكذلك حافظ المنذرـ ثُمَّ فارس معلولي، ثُمَّ فكتور أسعد، جورج عبد المسيح، مأمون أيّاس، فؤاد أبو عجرم، وصلاح الأسير.
جورج عبد المسيح ـ برُغمِ قلّة إطلالاتهِ ـ كان يودُّ لو يصبُّ فينا خبرتهِ في التّخفي، ولكي نَغوصَ معهُ في ألفَ ميدان، وما من أحدٍ إلّا اجتهدَ واشتغلَ ونفّذَ، هُناك أصدرنا، للمرّةِ الأولى في تاريخِ الحزب، «أوّلُ نشرة لعمدة الإذاعة»، راجعوا مجموعات الأمين جهاد العقل!
وبعدَ قليل صدرت جريدةُ «النهضة» التي تنقّلت إدارَتُها مطلعُ كُل اسبوع، إلى مبنى جديد، وإلى حيّ جديد، فإلى سوقِ المعرضِ، فإلى عبد الوهاب الإنكليزي، فإلى دارُ ألفَ ليلةٍ وليلة، بِقُربِ ساحةِ الدبّاس.