الإمارات والمقاربات الجديدة في «الشرق الأوسط»…
} د. حسن مرهج
لا شك بأنّ جُملة التطورات في الشرق الأوسط، فرضت على غالبية القوى، اتباع استراتيجيات جديدة، تختلف في الشكل والمضمون، عن تلك الاستراتيجيات المتبعة قبيل ما يُسمّى الربيع العربي، وعلى اعتبار أنّ الإمارات العربية المتحدة، إحدى القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في مسار تطورات المنطقة، فقد اتبعت ما يُمكن تسميته باستراتيجية تكديس وتقوية أوراقها السياسية، بما يجعلها شريك الضرورة لكافة اللاعبين في المنطقة، خاصة أنّ الإمارات قوة اقتصادية وبيئة استثمارية مُشجعة، لكافة الدول الإقليمية والدولية، من هنا يبدو واضحاً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يبحث عن إخراج سياسي واقتصادي لجُلّ أزماته، لكن في العمق، فإنّ الزيارة الإماراتية لتركيا، لا تتعلق بدعم الاقتصاد التركي المنهار، وإنما زيارة الإمارات تتعلق ببعد أكبر، يتمحور حول ولادة نظام إقليمي جديد، وبكلّ تأكيد سيكون عنوانه البارز، دمشق.
إذن… زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الأولى لتركيا، ومنذ عشر سنوات، تكتسب معاني إقليمية ودولية من الناحيتين الجيوسياسية والاقتصادية، وبالتالي، فإنّ هذه الزيارة هي نتاج تقاطع عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية، جعلت الفريقان الإماراتي والتركي، ينتقلان من ملعب الخصم، إلى محاولة التعاون المشترك، لكن يبدو واضحاً، بأنّ الإمارات تتحرك وفق معادلة القوة السياسية وكذا الاقتصادية، وهي تفاوض تركيا ـ أردوغان، الغارقة في أزماتها، خاصة أنّ أردوغان، خسر ما كان يطمح إليه، ويسعى اليه إقليمياً ودولياً في العقدين الأخيرين، وبات يبحث عن قشةً تنقذه من الغرق، وهنا يُمكن القول، بأنّ بوابة العودة الإماراتية التركية، تمّ توثيقها بالمال، إذ يجرى الحديث عن استثمار الإمارات مليارات الدولارات في الاقتصاد التركي.
حقيقة الأمر، أنّ الزيارة الإماراتية لتركيا، قد تُحقق بعض المكاسب لتركيا، لكن لن تنقذ الاستثمارات الإماراتية الاقتصاد التركي، لكن قد يكون لها تأثير إيجابي على صورة أردوغان سياسياً، على الأقلّ بين مؤيديه أو المتأرجحين، لكن إقليمياً، ستبقى صورة تركيا العثمانية، واعتداءاتها على دول الجوار، حاضرة في سياسات تركيا، ولن يلجم أردوغان إلا سقوط مدوّ إقليمياً ودولياً، وقد بدأت بوادر ذلك في انهيار متسارع لليرة التركية، الأمر الذي يؤكد بأنّ تركيا اردوغان، من الصعب أن تُرمم صورتها في الخارج، وكذا على المستوى الداخلي، وعليه فإنّ زيارة ولي عهد أبو ظبي لتركيا، ستطيل قليلاً في عمر أردوغان، ولن تُنقذه، إلا إذا انصاع لدمشق، التي ستكون محور النظام الإقليمي الجديد، وبالتوازي مع المساعدة الإماراتية التي ستكون في إطار اقتصادي بحت.
في جانب موازٍ، لقد تعقّدت العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة في بداية ما يُسمّى «الربيع العربي»، وفي العام 2016، ألمحت أنقرة إلى أنّ أبو ظبي موّلت خصوم الرئيس أردوغان، وتركيا غير راضية أيضاً عن التقارب الإماراتي مع الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الخلافات التركية الإماراتية الأكثر حدة تجلت في ليبيا، حيث تدعم أنقرة طرابلس، وتدعم الإمارات، مع مصر، المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق البلاد.
وعليه، نعتقد بأنّ الاتصالات الإماراتية التركية، لن تؤثر بشكل جوهري في مواقف البلدين من المشاكل الإقليمية، لكنها ستسمح بعدم وصول الموقف إلى تصعيد عسكري، كما كان الحال، على سبيل المثال، عندما شجعت الإمارات هجوم حفتر على طرابلس من عدة سنوات»، وبالتالي فإنّ الأهمّ في المباحثات التركية الإماراتية هو أنّ دول المنطقة تجاوزت مرحلة الربيع العربي، واعترفت بالواقع الجديد الي هندسته دمشق، فلقد تمّ الاعتراف بمجالات النفوذ الجديدة، وباتت كلّ المسارات مفهومة لجهة تقاطعها مع دمشق.
ضمن ما سبق، يُمكن القول بأنّ الإمارات في الشهر الأخير مدّت جسوراً مع دمشق، طهران، تل أبيب، نيو دلهي، موسكو، بكين، أنقرة وواشنطن، وهذا يستوجب ديبلوماسية هائلة في موازنة العلاقة مع كامل هذه العواصم لمبرّرات مختلفة، وهي حفظت مسافة من حرب اليمن، عدّلت موقعها في ليبيا وبنت تحالفات استراتيجية مع مصر والسعودية، واليوم تطرق أبواب دمشق بقوة، في المقابل، يتخبّط أردوغان بين خلافات مع الجوار من السعودية الى أرمينيا الى اليونان الى سورية ومصر، وهو غير قادر على إصلاح علاقته مع بايدن ولا على تعميقها مع فلاديمير بوتين.