العين على سورية
على رغم الرغبة المفضوحة في تجاهل الحديث عن سورية في المواقف المعلنة للمسؤولين الأميركيين ومن خلفهم يسير ركب عربي سياسي وإعلامي، فإن كل تدقيق بعناصر رسم السياسات يكشف حجم المكانة التي تحتلها سورية في حسابات الأميركيين وحلفائهم وجماعاتهم في المنطقة.
أي مقاربة لمستقبل الوجود الأميركي في المنطقة يبدو العراق فيها ظاهراً هو العنوان، لكن في العمق يتوقف مصير هذا الوجود على الإجابة عن سؤال حول مستقبله في سورية، حيث يضعه الأميركيون في كفة موازية لوجود المقاومة للمقايضة طلبا لأمن كيان الاحتلال، بينما يبدو الخروج أو البقاء في العراق نتيجة لقرار البقاء أو الانسحاب من سورية، لإعتماد التواجد الأميركي في سورية على العمق العراقي، والخشية الأميركية من الحدود العراقية السورية كخط وصل بين سورية وإيران وقوى المقاومة.
في السياسات العربية التي تدور حول محور رئيسي هو مستقبل العلاقة في إيران، سواء بالنسبة إلى من يريد التوازن معها، أو من يريد التقرّب منها، تظهر سورية كجواب للحالتين، وهذه حال دول الخليج، وبالنسبة إلى من يريد النظر نحو القطب الإقليمية الآخر وهو تركيا تظهر سورية كركيزة لأي توزان عربي في وجه التطلعات والأطماع التركية في البلاد العربية، وهذه هي حال مصر، وبالنسبة إلى قلة عربية رسمية لا تزال “إسرائيل” هي الخطر الأول على الأمن القومي تبدو سورية هي العنوان، وهذه هي حال الجزائر.
بالتوازي فإن سورية وبعد انتصاراتها التي تشق طريقها نحو الإستكمال بثبات ولو ببطء، صارت مع التموضع الروسي الجديد الذي جاء خلال الحرب، محوراً في تحالف آسيوي تتكامل عناصر حضوره يضم روسيا والصين وإيران، تشكل سورية الشريك العربي فيه، وكل من ينظر لمتغيرات السياسة الدولية سيكتشف أن هذا المحور الدولي الصاعد، سيشكل قطب التوازن مع المحور الغربي، والعرب الذين يحيطهم محور الشرق من كل اتجاه سيكون قدرهم بالحد الأدنى خطب ود هذا المحور لتفادي تحول بلدانهم ساحات صراع بين المحورين، وليس لهم إلا التوجه نحو سورية.
في البدء كانت سورية مدخلاً للسيطرة على المنطقة عبر كسر حلقتها السيادية كلاعب محور في الإقليم، وفي الختام تعود سورية لاعباً أشد محورية لما هو أبعد من الإقليم.