ريم فرحات تؤبن سماح ادريس
مساء أمس، أثناء خروجنا من أحد مطاعم بيروت، لحقتْني النادلة. «أنتَ فلان الفلاني؟» وحين رددتُ بالإيجاب، أشرق وجهُها، والتمعتْ عيناها، وتدحرجت الكلماتُ من فمها:
«لقد زرتَنا في مدرسة الغبيري الثانية قبل 8 سنوات. كنتُ في الثالثة عشرة، وكنتُ مكلّفة بقراءة روايتك، «فلافل النازحين»، وبطرح أسئلةٍ عليك. وقرأتُ رواياتك الأخرى أيضاً. اليوم أنا في الحادية والعشرين، أدرس الصحافة، وأعمل أيضاً كي أستطيعَ ان أكملَ علمي!»
لم أدرِ ما أفعل. أأعانقها؟ أأقبّلها؟ لكنّ الفتاة واصلتْ تدفّقها، غيرَ أبهةٍ بارتباكي:
«أحببتُ هذه الرواية كثيراً. وأثّرتْ في حياتي كثيراً. وحين لمحتُكَ في المطعم، قلتُ إنّ عليّ أن أتحدّثَ إليك قبل أن تخرج، وإنّني…»
عبّرتُ لها عن سعادتي. كنتُ أشدَّ تلعثماً منها. وقلتُ إنني أنتظرها عند توقيع كتابي الجديد، نهايةَ الشهر المقبل. خرجتُ وأنا أتعثّر بأفكاري.
ما لم أستطع أن أقولَه لها هو إنني، طوال الليل، وأنا أتذكّر عينيها البرّاقتين وأقول لنفسي: «لأمثال هذه الصبيّة الذكيّة، المكافحة، نطمح. ولأجل أمثالها، تغدو الكتابةُ مجداً وجنّة».
سماح إدريس
بعد هذا اللقاء بلقاءٍ متفق عليه إلتقينا…
بعد توقيع كتابك إلتقينا في أحد مقاهي الحمراء في بيروت وقالت لي تغيرت كثيراً يا ريم و»ما عم تقري متل الأول… كنتِ تقري كتب ومقالات دكاترة ما بيعرفوها لي ما عم تقري؟».
كان جوابي: كيف علمت بذلك أنا أقرأ ولن أتوقف عن القراءة حتى أموت.
قال دكتور سماح إدريس: «لا ما عم تقري والدليل ما قريتي شو كتبت عنك عالفيس بوك من شهر».
خبر وفاتك كان الأسوء على الإطلاق… لماذا العظماء دائماً يرحلون بسرعة ويتركون وراءهم من يفتقدهم ويحتاج إلى كلماتهم من دون الإكتفاء منها…
دكتور سماح إدريس رحل تاركاً خلفه تراث من الأدب والثقافة والعلم لا يفنى… إلى روحك الجميلة السلام لن ننساك أبداً وسأقرأ وأقرأ وأقرأ الليلة أكثر من كل ليلة…