هل أحدثت استقالة قرداحي الصدمة الإيجابية المطلوبة؟
} علي بدر الدين
لا يمكن التعويل قليلاً أو كثيراً على استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من حكومة «معاً للإنقاذ» في إحداث خرق، صغيرا كان او كبيرا في جدار الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والمعيشية، ولا حتى في خلخلة البنيان السياسي والسلطوي والتحاصصي المتراكم والمرصوص بإحكام من القوى السياسية، التي ليست بوارد التنازل أو التخلي، حتى عن جزئيات قليلة من مصالحها ومكتسباتها وشروطها، خاصة وهي تتحضر لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، التي على ما يبدو أنّ موعدها حسم في أيار المقبل، مما يفرض عليها التشدّد والإمساك اكثر بحبال السلطة، وما تعتقد أنها حققته على مدى عقود أو سنوات، من خلال سلوكها طرقا ملتوية، وما اعتمدته من أساليب ووسائل غش وتزوير، لتثبيت خياراتها السياسية بعناوين وشعارات طائفية ومذهبية ومناطقية، ولا بد من توظيفها في معركتها الانتخابية، واستثمارها لمزيد من المكاسب نيابياً وسلطوياً، وهذا ما يدعوها إلى عدم التراجع أو الإنكفاء أو عقد تفاهمات وتسويات ليست في صالحها، وقد تؤدي الى «غضب» أو تأفف في بيئاتها الحاضنة والمؤيدة لها، وهذا ليس وقته في هذا الاستحقاق.
لهذا كله ولغيره، فإنّ استقالة قرداحي لم تغيّر كثيراً في واقع المشهد السياسي العام المتفجر، ولن تفتح الطريق أمام مجلس الوزراء لعقد جلساته أقله في المدى المنظور، كما أنها لم تحدّ من التداعيات والنتائج الخطيرة لاستمرار احتدام الصراع القائم بين مكونات السلطة الحاكمة، أو وقف تدحرج كرة نار الانهيارات المتتالية، التي رمت بضغوطها وأثقالها على البلاد والعباد، فأضعفت لبنان وقوّضت أسس الدولة ومؤسّساتها وأفقرت شعباً بكامله وجوّعته وأذلته وهجرته، وبالتالي فإنّ الاستقالة ، التي انقسمت شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني حولها، لاعتقاد البعض انّ ثمنها سيُترجَم بعودة العلاقات اللبنانية السعودية والخليجية، ووقف الإجراءات المتخذة ضدّ لبنان او الحؤول دون تمدّدها وتوسّع دائرة «بيكارها»، في حين يرى البعض الآخر، انها محاولة فرنسية لإثبات حسن النية اللبنانية الرسمية، وهناك قوى سياسية وحزبية، رأت فيها فرصة للاستثمار السياسي و»الشماتة» من قوى كانت رافضة لها جملة وتفصيلاً لاعتبارات وطنية ومبدئية، وليس للمبادلة والمقايضة كما يحاول البعض تسويقه.
لم تؤت استقالة قرداحي ثمارها، ولم تنتج بعد سوى اتصال هاتفي ثلاثي الأبعاد، ووعود لا يمكن الركون اليها، أو توقع ترجمتها اليوم وغداً او بعد غد، لأنّ دونها عقبات وشروط ومطالب مطلوب من السلطة تحقيقها، وهذا ما ليس متاحا في ظلّ تعليق جلسات الحكومة، وغياب القرار السياسي وعجز السلطة وفشلها وتخليها عن قرار لبنان للخارج، إضافة الى ما سبقها من مواقف سعودية وخليجية وعربية، ومن حلفاء أو تابعين محليين، تجاوزت مسألة استقالة وزير الى ملفات وقضايا أخرى.
هل تستحق الاستقالة (قبل وبعد) كلّ هذا الضجيج وتكبير حجرها، والدخول الفرنسي المباشر من خلال الرئيس إيمانويل ماكرون، على خطها للتوسط مع السعودية، ونجاحه في إبرام «تسوية» موضعية «لمعضلة» مسألة داخلية تحدث في كثير من حكومات الدول؟ وإذا كانت بهذه الأهمية لماذا عزلها عن قضايا كبرى تحتاج الى معالجات وحلول وتسويات كبرى تدعم لبنان وتساعده على النهوض والإنقاذ؟ ولماذا هذا التأجيل المتعمّد وربما المقصود في قطف ثمارها؟
ليس عبثاً إثارة الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام والتعجب والاستغراب حول تسوية الاستقالة، التي نجحت بالشكل فقط، إلا إذا كانت هناك قطب مخفية وتبادلات ومقايضات من تحت الطاولة. وليس من حق الشعب اللبناني معرفتها او الإطلاع عليها، لأنه ما «خصو» وعندما يتحدث الكبار يصمت الصغار.
في كلّ الأحوال، إنّ استقالة قرداحي هي حلقة من حلقات كثيرة وكبيرة داخلية وعربية وإقليمية ودولية، تكمن فيها شياطين الأنس والجن، ولا يعلم عنها او بها إلا الراسخون بالسياسة والمصالح، والضالعون بالتسويات على مقياس الربح من دون خسارة، لأنها تأتي دائماً على حساب الشعوب ودولها الضعيفة، التي باعت قرارها لمن يشتري في أسواق نخاسة المصالح الخارجية.
الطبقة السياسية، هي حتماً التي باعت قرار لبنان ومنذ زمن، حتى وصل بها الحال إلى اللجوء أو الاستعانة بدولة أوروبية عظمى كفرنسا (بحكم المونة) للتوسط باستقالة وزير، والمفاجأة كانت في السعادة التي غمرت رئيس الحكومة المعلقة جلساتها نجيب ميقاتي، الذي يعتقد انه باتصال الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان به حقق إنجازاً لحكومته التي هي خارج الخدمة الفعلية.
لن نغوص أكثر أو نصدر احكاماً مسبقة على ما حصل، لعلّ الانتظار يجيب على التساؤلات عن ثمن الاستقالة ومدى حجم مردوها على لبنان.